نعمة اﻷمن نعمة عظمى لا تقدر بثمن ، ولا يعرف قدرها إلا من فقدها ، كنعمة الصحة تماماً التي لا يعرف قدرها إلا من فقدها ، إلا أن اﻷمن بمفهومه الواسع يشملك ، ويشمل غيرك ، بل يشمل الجميع ، واﻷمن له جوهر ، وجوهره يكمن في أسبابه ودوافعه ، وله وسائل وأساليب ، وله مظاهر وأعراض ، وعلينا ألا نخلط بين الجوهر والعرض ، أو العرض والوسيلة ، ومن أهم أسباب اﻷمن تحكيم الشريعة الإسلامية ، بتطبيق القرآن الكريم والسنة النبوية تطبيقا عملياً ، على أرض الواقع على الجميع ، من خلال القضاء الشرعي ، كما يطبق في بلادنا بقيادة حكومتنا الرشيدة ، وإذا طبقت أحكام الشريعة الإسلامية من خلال القضاء الشرعي فيما يتعلق بحقوق الله وحقوق العباد ، سواء في مسألة إقامة الحدود الشرعية ، أو القصاص والدية ، أو أحكام التعزير ، أو الحقوق المالية بين المتخاصمين ، ونحوها ، فإننا قد وضعنا اﻷرضية الصلبة الراسخة للأمن على أرض الواقع ، ﻷن الناس سوف يأمنون على دينهم ، وأعراضهم ، وأموالهم ، وعقولهم ، ونفوسهم ، لكن إذا طبقت القوانين الوضعية بدلاً من شريعة الله فإن الناس سوف لا يأمنون على حياتهم ومتعلقاتها ، وسوف يعانون من ويلات الجريمة ، وسوف يستمر تيار اﻹجرام مستعراً في المجتمعات ، كما نراه مشاهداً في البلاد التي تحكم قوانين البشر في حياتها وشؤونها ، فلم يشرع الله العقوبات والجزاءات عبثاً ، وهو الذي يعلم ما يصلح البلاد والعباد .
إن تطبيق الشريعة الإسلامية على أرض الواقع هو نبض اﻷمن وسر وجوده ، فلا نبض للأمن بدون الشريعة الإسلامية ، لماذا ؟؟ ﻷن تطبيق الشريعة الإسلامية على الجميع ينبع أساساً من الخضوع والتذلل لله وحده من قبل الجميع ، ﻷنه هو المشرع سبحانه ، ومقتضى الخضوع والتذلل مراقبة الله في كل شؤون الحياة ، في السر والعلن ، والابتعاد عن الجرائم والمخالفات من قبل الجميع ينبثق من الخوف من الله قبل الخوف من القانون الذي يطبق ، كما هو الحال في الدول الغربية التي عندما يغيب القانون فيها تحصل آلاف الجرائم ، كما حدثت في ليلة واحدة من الليالي في بعض الولايات اﻷمريكية ، عندما انطفأ التيار الكهربائي وتعطل عن العمل حدثت آلاف الجرائم ...!!! لنعرف جيداً عظمة هذا الدين الإسلامي ، وعظمة شريعته السمحة التي تربي المسلمين على الخوف من الله أولا ، ثم الخوف من تطبيق العقوبات اﻹلهية ثانيا لمن تسول له نفسه ، فتقل الجرائم ، ﻷن تطبيق المسلمين لأحكام الشريعة الإسلامية عبادة يتعبدون الله بها ، ويبتغون اﻷجر والثواب من الله تعالى ، وإلا بم تفسر مجيء بعض الصحابة رضوان الله عليهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون التطهير مما وقعوا فيه ؟؟ !! على العكس من تطبيق القوانين الوضعية التي لا ترتكب فيها الجرائم بسبب الخوف فقط من تطبيق القانون البشري ...!!!وإذا غاب هذا القانون عرفت جوهر الجاهلية الغربية ووحشيتها في عصر العولمة والتقدم الذي تدعيه رغم جاهليتها ....!!!
إن جوهر اﻷمن قلبي ، يكمن في العقيدة الإسلامية التي تزرع في المسلم الخوف من الله وحده ، فلا ترتكب الجرائم أصلا ، وركائز اﻷمن تكمن في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ، ومظاهر اﻷمن تتمثل في صون الدين والعرض والمال والنفس والعقل .... بحيث تؤدى وظائف الضرورات الخمس وتستثمر في مجالات التنمية وإسعاد البشرية ..
ومن اﻷمن اﻷمن الفكري الذي تمارس فيه اﻷفكار والتصورات واﻵراء ، ويتم التعبير عنها وفق الضوابط الشرعية ، بدون إرهاب أو إكراه أو ضغوط ؛ لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من المشاركات اﻹيجابية الخلاقة ، وتوليد اﻷفكار اﻹبداعية التي تحقق النمو والازدهار من خلال العباقرة والمكتشفين ، في مختلف المجالات ، لنهضة اﻷمة اﻹسلامية ، في أجواء صحية يأمن الناس فيها على أنفسهم ووظائفهم ومراكزهم ، عندما يعبرون في ضوء النسق اﻹسلامي ....!!! ويدخل في اﻷمن الفكري وقاية اﻷمة اﻹسلامية من اﻷفكار المتطرفة الضالة في الاتجاهين ، الاتجاه اﻷول : تطرف يفرخ اﻹرهاب ، ويمارسه اﻹرهابيون ذوو التفجيرات اﻹجرامية ، وتطرف آخر ، يفرخ اﻹلحاد ، والتنكر للدين الإسلامي ، وتشويه رموزه ، ويمارسه العلمانيون والليبراليون الذين هم من معاول هدم اﻷمن في البلاد والدول ...
ومن اﻷمن أيضاً اﻷمن الصحي ، ويتمثل في تطبيق الاستراتيجيات الصحية ، فيما يخص صحة الناس والحيوان والنبات واﻷغذية ، ومايتعلق بالسياسات الصحية المرسومة التي تضمن اﻷطباء اﻷكفاء ، وتوافر اﻷدوية ، واﻷجهزة الطبية ، والمستشفيات الكافية ، ووسائل التوعية الصحية ، وأساليب الوقاية من الأمراض المزمنة واﻵفات واﻷوبئة ، ونحو ذلك ، وكل هذه الجوانب تندرج تحت مظلة الصحة العامة .....
ومن اﻷمن أيضاً السلامة المرورية ، وما يتعلق بها من سياسات وإستراتيجيات وتطبيقات لحفظ اﻷرواح والممتلكات .....
ومن اﻷمن اﻷمن السياسي فيما يتعلق بالسياسات الداخلية والخارجية ، وأمن الحدود ومدى تطبيق مبادئ التوازن والمواءمة واﻷبعاد اﻹستراتيجية في اﻵليات والمصالح ، ومايهدد تلك المصالح من سياسات عدائية ، ونحوها ، ومن اﻷمن اﻷمن الاقتصادي ، ويرتبط برسم السياسات الاقتصادية في القطاعين العام والخاص وتطبيقاتها وبرامجها ...
هناك أعداء للأمن ، ولا ريب في ذلك ، أعداء ظاهرون مباشرون ، ويتمثلون في اﻹرهابيين دعاة الفكر المتطرف الذين يحملون أجندة خارجية ، وينفذون سياسات أعداء وطنهم في الخارج ، ويفجرون بلادهم ، وعلينا التضامن مع السلطات في بلادنا لكشفهم وتطهير البلاد من شرورهم ، وتوعية الناشئة بخطر أفكارهم الضالة ، وهناك أعداء للأمن مستترون ، ويمارسون وسائل خادعة براقة مغرية ، ينخدع بها السذج والمغفلون ، ينفذون أجندة خارجية أيضا ، ويتمثلون بالعلمانيين الذين يتنكرون لدينهم مصدر اﻷمن في بلادهم ، ويطعنون في رموز تاريخهم اﻹسلامي ، ويدعون إلى الحضارة الغربية المادية المنحرفة ، ويهدمون اﻷمن بدعوتهم في مجال تسميم اﻷفكار ، بحجة تصحيح المفاهيم ، والخروج على الدين والقيم ، ودعوتهم ﻹخراج المرأة من بيتها ، ومساواتها بالرجل ... ونحو ذلك ..
وهناك وسائل تهدم اﻷمن ، بعضها وسائل مباشرة ، وبعضها وسائل غير مباشرة ، فالجرائم الفردية ، وعصابات السرقة والسطو تعد من وسائل تقويض اﻷمن المباشرة ، ولها خطورتها إذا لم تعالج وتضبط وتطبق بحقها أحكام الشريعة الإسلامية ....
وهناك وسائل غير مباشرة تقوض اﻷمن ، وتهدم أركانه ، وآثارها تلمس على المدى البعيد ، ولها خطورتها ، ومنها جميع الانحرافات العقدية والفكرية واﻷخلاقية واﻹدارية ، مثل اﻷفكار المتطرفة ، واﻷفكار اﻹلحادية المعادية للدين الإسلامي ، والممارسات المنحرفة التي تتجسد في تعاطي المخدرات والخمور وتهريبها ، والفسادين الخلقي واﻹداري ومقدماتهما ، واستغلال النفوذ ، والمحسوبيات ، والرشوة ، ونحو ذلك .....!!!
إن تطبيق العدالة الاجتماعية ، والشورى ، والمحاسبة ، والشفافية ، والمشاركة ، والاستقلالية ، كلها معطيات ترسخ جذور اﻷمن ، ﻷنها لاتجتمع مع ألوان الفساد الذي ينخر المجتمعات ، ويزعزع اﻷمن .....
فما واجبنا تجاه أمن بلادنا ؟؟!!
واجبنا المحافظة على هذه النعمة ، والالتفاف مع قادتنا والتضامن معهم ، ﻹحباط مؤامرات اﻷعداء في الداخل والخارج ، والمشاركة مع سلطات بلادنا في التعاون معهم ، ﻹحباط أي عمل يهدد أمننا ، ﻷن اﻷمن إذا فقد - لاسمح الله - فلا حياة لنا ، وسوف نفقد التنمية ، والاستثمار ، والطاقات ، والموارد الطبيعية والبشرية ، وسوف نعيش تحت رحمة اﻵخرين ، في وضع مأساوي لايعلمه إلا الله ، وأنا أجزم أن شعب بلادنا - بلاد الحرمين الشريفين - لديه من الوعي مايؤهله لاستيعاب قيم اﻷمن ومعانيها وثمراتها والمحافظة عليها ، والله الموفق ....
المشرف التربوي : عبدالعزيز بن محمد المقوشي .
إدارة تعليم محافظة البكيرية .