يولد اﻹنسان مفردا ، ويلقم ثدي أمه مفردا ، ويتلقى الخبرات عن طريق سمعه مفردا ، ومن ثم يعبر عن تلك الخبرات من خلال المحاكاة والكلام مفردا ، ويطالب بتعلم القراءة والكتابة مفردا ، فأين حظه من تلقي الخبرات واكتساب المعلومات على نحو جماعي؟؟؟!!!
اﻷب واﻷم يوجهان أولادهما ، ذكورا وإناثا توجيها فرديا ، ويربيان فيهم اﻷوامر والنواهي ، اﻷب يأمر ، واﻷم تأمر ، واﻷب ينهى ، واﻷم تنهى ، وهذا اﻷسلوب يأخذ من حيز التربية مع اﻷولاد أكثر من 90% طوال سنوات التنشئة ، واﻷولاد شربوا من نفس الكأس التي شرب منها الوالدان من قبل ، عبر اﻷوامر والنواهي ، فقتلنا في أولادنا روح المبادرات والتفكير اﻹيجابي من خلال ترسيخ قيم اﻷمر والنهي وممارستها ، حتى أصبح أولادنا لايقومون بواجباتهم إلا بعد تلقي اﻷوامر ، ولا ينتهون عن المنهيات إلا بعد تلقي النواهي ، فاﻷب يأمر أبناءه للصلاة جماعة في المسجد في كل صلاة ، ويتخذ من هذا اﻷسلوب وسيلة وحيدة ، فإذا تركهم وقتا من أوقات الصلاة بدون أمر قد تعودوا عليه فتجدهم قد تخلفوا عن الصلاة في المسجد ، بسبب اعتمادهم على أسلوب اﻷمر المعتاد ، والمعلم يرسخ أسلوب اﻷمر والنهي مع طلابه في طلباته وتوجيهاته ، وهذا اﻷسلوب يجعل المأمور والمنهي في سياق النسق الفردي فكرا وممارسة ، ﻷن اﻷمر والنهي منصبان على فردية الذات ، وإن كان الذي يقوم بهما أكثر من فرد ، ألا يطلب المعلم من كل طالب الحل الفردي؟؟ ألا يشعر المعلم كل طالب ، ليتحمل مسؤولية تخلفه أو عدم فهمه أو إهماله على نحو فردي ؟؟!! ألا نطالب كل طالب بتحديد قدراته وميوله لقيادة ذاته وإدارة مواهبه فرديا ؟؟؟!!! أليس كل طالب ينجح بمفرده ، ويحل واجباته بمفرده ، ويسأل عن ظروفه وهمومه وآماله بمفرده ؟؟؟!!! لماذا لانربي في أبنائنا العمل الجماعي والفكر الجماعي؟؟!! لماذا لانجعل ﻷولادنا في بيوتنا أعمالا جماعية يقومون بها على متن اﻷجهزة الذكية ، أو العروض المصورة ، أو البحوث ، أو النشاطات والمسابقات الجماعية ، أو تلحين النصوص الشعرية ، والوالدان ينخرطان في غمارها مع أولادهما ؟؟؟!!! لماذا لا نجعل بعض اﻷولاد في البيت يسمع المحفوظ من القرآن الكريم أو اﻷدب ﻷخيه أو أخته ؟؟ ولماذا لا يدرب المعلم طلابه على العمل الجماعي من خلال تطبيق المشروعات الصغيرة ، لبناء العقلية الجماعية لدى الطلاب ؟؟ لماذا لايجعلهم يتعلمون مع بعض من خلال التعلم التعاوني ؟؟
هل تربية أولادنا على قيم الفردية تعد من اﻷساليب المعيبة ؟؟ وهل انغماس اﻷولاد في أحضان الأساليب الجماعية يعد دائما مطلوبا ؟؟!!
إن تعميق المنهجية الفردية في الذات اﻹنسانية مطلوب ، لتربية الفرد على الاعتماد على النفس ، وزرع الثقة ، وبناء القيادة الذاتية ، والاستقلالية في الرأي والتعبير وطرح اﻷفكار ، وعدم الانصهار في دائرة التقليد ، لهذا ينبغي أن يربي اﻷب أبناءه على ذلك من خلال تطبيق آليات اشتراء البضائع والخدمات المنزلية وتدريبهم على ذلك ، وعدم اعتمادهم على الوالد طوال سنوات العمر ، فيكبر اﻷبناء وهم غير مؤهلين للاعتماد على النفس في تأدية الخدمات المنزلية وحسن الاختيار ، وانتقاء اﻷفضل ...
والمعلم يربي أيضا طلابه على تحمل المسؤولية والاستقلالية ، من خلال النشاطات الفردية ، ومراعاة الفروق الفردية ، ورسم خطط التدريس ، والمعالجات ، وتحقيق اﻹنجازات الفردية ..... فليس العيب في استخدام المنهجية الفردية ، بل العيب كل العيب بالاكتفاء باﻷسلوب الفردي ، والتركيز عليه في مجالات التربية فقط دون سواه ، وإهمال اﻷسلوب الجماعي ، فكرا وممارسة ، ﻷن اﻹنسان مسؤول عن نفسه كونه ذاتا فردية ، ومسؤول أيضا كونه مرتبطا بالجماعة ، ﻷن اﻹنسان الذي لم يرب على القيم الجماعية ، مثل : احترام اﻵراء المخالفة ، والحوار والتعاون والمشاركة والتنسيق ، والهم الجماعي ، والشعور الجماعي ، والفكر الجماعي ، فإنه لايستطيع أن يحقق الانسجام والتناغم والاتحاد مع الجماعة روحا ومضمونا وشكلا .... وسوف يصبح نشازا في عقد الجماعة ونسقها !!! ....
ألا ترى أن بعض الأشخاص عندما يختلف مع أحد الناس في شيء ما فإنه سرعان مايتحول اختلافه إلى خلاف وخصام ؟؟؟!!! ألا يدل ذلك على عدم التربية على القيم الجماعية ، مثل احترام اﻵراء المخالفة ؟؟؟!!! ألا ترى أن الشخص الذي لايعتمد على نفسه في حل مشكلته ، أو القيام بواجباته ، يدل على عدم تربيته على القيم الفردية مثل الاستقلالية والثقة بالنفس ؟؟؟!!!
إذن الفردية والجماعية أسلوبان مطلوبان في تربية الذات اﻹنسانية ، واﻹسلام يربي المسلمين على تنمية مهارات المنهجية الفردية فيهم ، ويربيهم أيضا على تربية المهارات الجماعية ، ﻷن المسلم مسؤول عن تصرفاته في الدنيا ، بصفته فردا ، وتوجه إليه أوامر ربه ونواهيه الشرعية بصفته فردا ، كونه مسلما عاقلا حرا ، ويحشره ربه فردا أيضا ، كما أنه مسؤول أيضا عن جماعة المسلمين من خلال الشعور بهم من زاوية التراحم والتواد ، ومن خلال التعاون على البر والتقوى ، واﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتأدية الصلاة جماعة ، والمشاركات الدعوية ، وأعمال البر المتعددة ......
إن التوازن الذي يرسخه الدين الإسلامي في الذات اﻹنسانية بين الفردية والجماعية دقيق جدا ، بحيث لايطغى جانب على آخر ، فلا يعيش اﻹنسان فرديا في قراراته وآرائه وسلوكه ، ولايعيش أيضا بأسلوب الذوبان الجماعي الذي يجعل الفرد إمعة في فلك الجماعة ، تابعا للآخرين في الخير والشر ، والصحيح والسقيم .... والله الموفق .
المشرف التربوي :
عبدالعزيز بن محمد المقوشي
إدارة تعليم محافظة البكيرية .