تعد النظريات المكتوبة لتطوير خطة التعليم نظريات غير قابلة للتطبيق في ظل وجود بعض القيادات غير المؤهلة، وخصوصا في بعض المحافظات، فمسار التعليم وعجلة التنمية الاجتماعية وصناعة الإنسان وتأهيله وتعزيز القيم لديه تنطلق من هذه المؤسسة التعليمية العملاقة التي لا تخلو أسرة أبدا من وجود أفرادها ضمن منظومتها، طلابا أو معلمين أو مشرفين أو إداريين، فهم يشكلون الشريحة الأكثر في عدد منسوبيها باختلاف مسمياتهم ومستوياتهم، وبالتالي فإن تعزيز ثقافة المسؤولية الوطنية والاجتماعية تنطلق منها لأنها المصنع الذي يمتلك الطاقة والمورد والأداة والآلية لمخرج "مواطن" يحمل قيمه الوطنية والاجتماعية والإنسانية، فهي مؤسسة تحمل رسالة تغرسها ليجني الوطن ثمارها.
ومن خلال مشاركتي في مجال العمل التطوعي الاجتماعي في عدد من منظمات المجتمع المدني لاحظت تدنيا كبيرا في مستوى ثقافة المسؤولية الاجتماعية لدى بعض منسوبي قطاع التعليم من قيادات وموظفين ومعلمين، ليس لجهلهم بها وبقيمتها وأثرها على خلق مواطن عالي الشعور لا يعيش على هامش وطنه ومجتمعه، وإنما بسبب الممارسات الخاطئة لدى بعض القيادات وجهلهم بالنظام أو استغلال بعضهم لنفوذهم وصلاحياتهم في منع منسوبيهم من إشباع رغبتهم في التعبير العملي عن حبهم لوطنهم ورغبتهم برد الجميل لأرض وقيادة أو إيصال رسالتهم التي يمليها عليهم الدين والواجب، وخاصة في هذه المرحلة التي يحتاج فيها الوطن لكل أبنائه شركاء في التنمية.
المشكلة الأساسية هي أن بعض الإدارات، وخصوصا في قطاع التعليم، تفصل نفسها عن الجهات الأخرى، بحجة أن لديها أنظمة وتعاميم تخصها، وهذا الكلام غير صحيح، فقرارات مجلس الوزراء فيما يخص جميع موظفي الدولة، ومن ضمنهم موظفو التعليم، بشأن مشاركات بعضهم في الأنشطة والفعاليات الثقافية والرياضية والاجتماعية والوطنية والمؤتمرات والملتقيات والدورات المحلية والدولية والإعلامية، شملت المرأة والتي تعد جانبا مهما من جوانب المسؤولية الاجتماعية والوطنية، وخصوصا مع متطلبات مسار التحول 2020 حيث تعتمد على تعزيز هذا الجانب، وتسعى لعمل شمولي تكاملي لتحقيق التنمية الوطنية للوصول لرؤية 2030. ولكن لا أملك إلا أن أعبر عن أسفي وحزني الشديدين لما آل إليه حال تعليمنا بنظرياته، وذلك لما يصدر من بعض القيادات التي تستغل صلاحياتها وجهل الموظفين بهذه القرارات وتمارس عليهم نوعا من التسلط الوظيفي غير المبرر، بل إن الأمور الشخصية تتدخل فيها، علما بأن مشاركات الموظفين، معلمين أو غير معلمين، لا تعد تغيبا عن العمل، وخاصة إذا كان الحضور لمثل هذه الأنشطة والفعاليات تمثيلا للوطن أو للمنطقة أو للجهة التطوعية التي ينتمي إليها في ظل انتساب عدد كبير من منسوبي التعليم للعمل ضمن منظمات مجتمع مدني، وتعد هذه المشاركات أمرا مهما جدا في عملية تأهيل قيادات ومنسوبي هذه المنظمات للخروج بمؤسساتهم من مفهوم الرعاية لمفهوم التأهيل والتنمية والتطوير والتمكين والذي سيحقق التشغيل الذاتي لهذه المؤسسات، ويتيح فرص عمل لخريجي وزارة التعليم، ويسهم في النمو الاقتصادي وتحقيق رفاهية المواطن.
كثير من منسوبي التعليم يعملون في قطاع العمل التطوعي ضمن منظمات المجتمع المدني غير الربحية، من جمعيات خيرية ولجان وغيرها، ومشاركاتهم ودوراتهم مرتبطة بالجانب التنموي للمواطن ولها دور كبير في تحقيق رؤية 2030 ولما للعمل التطوعي في المنظمات غير الربحية من أهمية وطنية واقتصادية واجتماعية ولما لها من دور في تفعيل ثقافة المشاركة المجتمعية وتعزيز لدور المواطن باعتباره شريك تنمية وطنية، كان لابد على الجهات الحكومية من إدارات تعليم وغيرها تسهيل مهمتهم للقيام بدورهم الوطني والاجتماعي، وخصوصا أن وزارة التعليم تحديدا، وقعت العديد من عقود الشراكات الاجتماعية مع عدة جهات، منها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ووزارة الثقافة والإعلام وغيرهما.