وكلي أمل، هذا الصباح، أن يقرأ مهندس البدلات الملغاة، معالي الأخ العزيز الكريم، وزير الخدمة المدنية هذا المقال، أنا لا أكتب يا معالي الوزير عن “نزاهة” على الكفاءات الاستثنائية المتميزة. أنا أكتب حالتي الشخصية كأستاذ جامعي بليد بلا مواهب وبلا 17 بنداً مكتملة لشروط الكفاءة المتميزة، وهي بالضبط حالة ما يقرب من 4 آلاف أستاذ جامعة. أنا أكتب لمعاليكم قصة هؤلاء بوصفكم مهندس اللجنة وبوصفكم أيضاً حاجز الصوت الذي يصل بين ولي الأمر وبين أساتذة الجامعات حتى اختصرنا كل آمالنا في أن يصل صوتنا إليك.
معالي الوزير: تحت أي قانون إنساني قرر معاليكم إعادتي عشر سنوات إلى الوراء في دخل حياتي الوظيفية؟ وكيف يمكن لكم “كإنسان” أن تقبلوا مثل هذا القرار؟ كيف يمكن للإنسان بداخلكم، وهنا لا أتحدث عن حياة الضمير، أن يتخيل كيف استقبلت مع عائلتي صباح “العقرب” وقد طار ثلث راتبي بالضبط؟ نعم، يا صاحب المعالي: أنا أستاذ جامعي طار ثلث راتبه وعاد عشر سنوات إلى الخلف، ولك أن تحاسبني على كل رقم وكلمة. وحتى عندما كانت زوجتي، ومثلها ربما زوجة كل أستاذ جامعي تبتهل بالدعاء على لجنة معاليكم الموقرة، لم يكن لدي من الجواب إلا أن نتدرب كي نعود عشر سنين إلى الخلف.
معالي الوزير: نعم أنا أستلم بدل تدريس ومهمتي في الجامعة التدريس فلماذا البدل؟ أستلم أيضاً بدل تخصص ولكن ذلك هو خياري فلماذا البدل؟ كنت أستلم بدل جامعة ناشئة وأبها ليست الخرخير ولا جبال الريث فستقولون لي لماذا البدل؟ سيكون بين يدي معاليكم كل جمل التبرير الواقعية الصحيحة لكن هذا التبرير لا يشرح لب المشكلة، المشكلة الأساسية، يا صاحب المعالي أن كل هذه البدلات قد أتت إلينا لترقيع الخلل الفادح في سلم رواتب أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، الذي يعتبر أسوأ سلم وظيفي من بين كل السلالم المؤدية إلى مكتب معاليكم لكل موظفي الدولة. كنا ولا زلنا ننظر إلى هذا السلم الفقير إما على أنه حالة عقاب للأستاذ الجامعي أو محاولة ليبقى على خط الكفاف وسد الحاجة. اليوم، شكراً معالي الوزير، فقد أعدتنا إلى ذات النظرة.
سأشرح لمعاليكم أن هذه البدلات جاءت إلينا لسد هذه الفجوة الهائلة أو لردم تلك الحفرة العميقة التي كان يصرخ من داخلها كل أستاذ بالجامعة. عدت لجامعتي بعد بعثة طويلة لأجد زملائي الذين توجهوا للوظيفة مباشرة بعد الجامعة بما يقرب من ضعف راتبي. اكتشفنا أن نسبة من طلابنا تذهب لوظائف، وأحياناً بضعف راتب أستاذهم الجامعي. ارتفعت المطالبات وضجت الأسئلة حتى اقتنعت الجهات المختصة أن ما نطلبه حق مشروع لرفع الظلم والحيف، فجاءت حيلة البدلات حتى لا تكون معنا بعد التقاعد، وكنا يومها سنرضى بما هو أدنى منها وأقل بكثير لو تم تعديل ذلك السلم الوظيفي الصدئ المهترئ. قبلنا بها وبفرح عارم ولم يكن في خيالاتنا أبداً وعلى الإطلاق أن يأتي يوما وزير يقرأ أسماء البدلات ولكنه لا يعرف أصل وتاريخ ومشوار كل القصة. لا يعرف أن أستاذ الجامعة مع راتبه الأصل مثل طائر “اللانغو” حيث إن جناحيه وذيله ضعفا حجم ووزن جسده. قصقص معاليكم جناحيه وذيله فسقط الطائر حول ذات العش الكئيب الذي كان فيه قبل سنين عشر، سأعود لنفس السؤال: أي ضمير في قلب إنسان أعادني، يا صاحب المعالي، عشر سنوات إلى الخلف وطار فجأة بثلث معاش عائلتي وبجرة قلم؟
علي سعد الموسى
نقلا عن “الوطن”