كان و لا زال إقليم الشرق الأوسط بؤرة حيوية للصراعات سواء من داخله للهيمنة على المنطقة، أو من الخارج لبسط النفوذ و السيادة على العالم أجمع، فيوجد بإقليم الشرق الأوسط قوميات عديدة مثل القومية الفارسية ( إيران ) و القومية الطورانية ( تركيا ) ثم النبت الشيطانى الذى تم زرعه مع وعد بلفور، بجانب الأكراد الذى بات حلم دولتهم يقترب كل يوم بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابى بين الشام و العراق، و بعد دعمهم عسكرياً من ألمانيا و فرنسا و بريطانيا و الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تاريخ العلاقة العميقة بين الأكراد و إسرئيل، بينما ظلت أكبر الشعوب عدداً فى منطقة الشرق الأوسط أصحاب الأرض و التاريخ و هم العرب مفتتون تارة و تائهون تارة أخرى .
و لكل قومية من هولاء مشاريع هيمنة و توسع على حساب العرب أنفسهم زادت و تضخمت فى الأعوام الأخيرة خاصة بعد ثورات الربيع المزعوم .
و لنبدأ بإيران والمشروع الذى طرحة محمد جواد اردشير لاريجانى فى نظرية " أم القرى " التى تعمل على مد القومية الفارسية للدول المحيطة و تصدير الثورة الإسلامية لدول الجوار كما حلم الخومينى و جعل مدينة " قم " عاصمة دينية لجميع المسلمين و مدينة طهران عاصمة سياسية .
و بذلك تصبح الدول العربية كالمقاطاعات التى تدين بالولاء لإيران و السمع و الطاعة لولية الفقيه ، وبذلك أصبح أمام إيران كما يرى مؤسس تلك النظرية ثلاث قضايا أساسية لتطبيق استراتيجيتها أولاً ( موقع إيران ) و استغلاله فى زعامة العالم الإسلامى .
والثانية ( الأمن الإيرانى ) و نقل المعارك خارج حدود إيران كما رأينا فى حروب حزب الله و إسرائيل على الحدود اللبنانية أو تاجيل أى تهديد خارجى للمستقبل و الاستعداد لة كما يجرى الآن من استعدادات عسكرية جبارة لاحتمال أى مواجهة فى المستقبل . ثالثاً ( تعمير إيران ) حتى تعكس وجهة حضارية للعالم عن الثورة الإسلامية و كذلك توجة رسالة للغرب بتفوق إيران على جيرانها العرب عسكرياً و اقتصادياً وسياسياً وأنة الأجدر بأن تتولى زعامة تلك المنطقة .
وتعتبر نظرية " أم القرى " امتداداً لأفكار و نظريات ظهرت بعد الثورة الإسلامية 1979م مثل نظرية القومية الإسلامية الشيعية و نظرية تصدير الثورة الخمينية و نظرية الولي الفقية .
فعند نزول الخومينى من الطائرة قادماً من باريس إلى إيران سأله أحد الإعلاميين ما هدف ثورتكم فقال " لقد حكم هذة المنطقة الأتراك لعدة قرون و الأكراد لعدة قرون و العرب لعدة قرون وآن للفرس أن يحكموها لقرون طويلة "
فما أن جائت الفرصة حتى قفزت إيران فى تورتة الربيع العربى منذ أيامها الأولى عندما خطب خامئنى لأول مرة باللغة العربية فى صلاة الجمعة بطهران يوم 4 فبراير 2011 أي أثناء اندلاع الثورة المصرية و خصص خطبتة لتحفيز الثوار على إسقاط النظام و أن يتمثلوا بسعد زغلول و عبد الناصر و حسن البنا . إلى أن وقعت حادثة قذف المقاتلات الإسرائيلية لمخازن أسلحة بالسودان تابعة لإيران لتكشف لنا " طريق الحرير " الذى كان يمتد من جنوب السودان مروراً بمصر منتهكاً أمنها القومى وصولاً لغزة لدعم حماس بالأسلحة الإيرانية أو إطلاق صواريخ من الأراضى المصرية على إسرائيل لجر كلٍ منهما إلى مشاكل جديدة .
وهو ما فسر لنا تصريح رئيس مجلس الشورى علي لاريجانى عندما قال " الآن أصبح لدينا ذراع جديد على الحدود المصرية بسيناء "
و من المعلوم أن " أم القرى " تعني مكة المكرمة فقال تعالى (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) "92الأنعام" وقال تعالى ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) "الشورى الآية 7 "
و ساذج من يتوهم أن إيران تسعى لتصنيع القنبلة النووية لضرب إسرائيل كما يصرح لنا قادة إيران ، فبنفس القنبلة التى ستضربها إيران على إسرائيل ( التى تمتلك 200 رأساً نووياً ) سينتشر غبارها الذري خلال دقائق معدودة ليدمر إيران أيضاً ، وطبعاً لن تضرب إيران أمريكا و لكن التصريحات المتكررة منذ سنين باقتراب إيران من تصنيع القنبلة النووية هي ما إلا محاولة أخذ دور قائد منطقة الشرق الأوسط و نقل صورة للغرب بأن إيران أكثر تفوقاً من العرب فى جميع المجالات خاصة العسكرية وأنها خير ميسر و منظم لسياسات المنطقة و الجلوس على مائدة واحدة مع أمريكا للتفاوض على غنائم الخليج .
أما المشروع الثانى فهو المشروع العثمانى القديم الجديد الذى تم إحيائة على أيدى حكومة حزب " العدالة و التنمية " وقت ما قال وزير الخارجية التركى أحمد داود أوغلو " نحن العثمانيون الجدد " ففى مؤتمر حلف الناتو باسطنبول يونيو 2004م أطلق قادة دول حلف شمال الأطلنطي ما يعرف بمبادرة ( اسطنبول للتعاون مع الشرق الأوسط الكبير ) .
و منذ ذلك الحين أصبحت حلام عودة الخلافة تحلق فوق روؤس العثمانيون الجدد . و هى ليست خلافة على الطراز العثمانى القديم و إنما على طراز الناتو الحديث .
إلى أن تفجرت ثورات الربيع العربى و تبدلت الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة بأنظمة جديدة تابعة للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان و هى بالطبع تنظيمات تتقابل فكرياً و عضوياً مع الحكومة التركية ليجد أوردغان حلمه تجسد إلى مشروع قابل للتنفيذ لتضعه أمريكا ضد المشروع الفارسى الذى سمى بالهلال الشيعى ليصبح صراعاً مذهبياً بين فريقين سني بقيادة العثمانيون الجدد و شيعي بقيادة آيات الله ليتحقق المشروع الثالث الإسرائيلى تلقائياً و هي تجلس فى بيتها و الاكتفاء بتشجيع اللعبة الحلوة بين الفريقين ، وبذلك تتحقق مقولة وزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كسينجر عندما تحدث عن حرب المئة عام بين السنة والشيعة ( على غرار حرب المئة عام بين فرنسا و انجلترا ) التى مضى منها أكثر من ثلاث عقود عندما افتتحت بالحرب بين العراق و إيران عام 1980م .
و المشروع الثالث الصهيونى الذى اعتمد على أفكار و نظريات تقوم على كيفية إرهاق دول الشرق الأوسط فى صراعات فيما بينها و إشغالها دائماً فى أزمات داخلية و بث الفتن و تقسيم الأوطان حتى تجعل إسرائيل دولة قوية بين مجموعة من الدويلات المفتتة الضعيفة مثل ما ذكر جابوتنسكى فى مشروع " الكومنولث العبري " و بن جوريون بمشروع " تقسيم لبنان " و شمعون بيريز فى كتابة " الشرق الأوسط الجديد " وفكرة تفتيت قوس الأزمات التى ذكرها بريجنسكي فى كتابة " بين جيلين " و هكذا يصبح المشروع الإيرانى و التركى إحدى ركائز المشروع الصهيونى فربما تختلف وجهات النظر أو التكتيكات لتحقيق أهداف تلك المشروع الإيرانى أو التركى و لكنة فى آخر المطاف سيجد المشروع الصهيونى فى انتظاره كى تستكمل إسرائيل آخر خطوة فى مشروعها ، فالثلاثة يتفقون على وضع العرب فى خانة الفريسة .
و بالطبع كانت إسرائيل هى الأخرى من سن سكينة الحاد لحصاد تورتة الربيع العربى حتى طرح قادة إسرائيل أكثر من سيناريو لشبه جزيرة سيناء و كان أولها هو إلقاء أعباء قطاع غزة على مصر ، كما أن إسرائيل لم تتأخر ثانية واحدة فى التدخل بشكل مباشر عبر مقاتلاتها الجوية لحسم معاركها ضد سوريا أثناء الاقتتال الداخلى .
أما عن ليبيا فكانت إسرائيل حاضرة بوجهها القبيح بداية من الاجتماعات التى كانت تدور بين المفكر الصهيونى بردنارد ليفى و قادة الربيع الإخوانى بليبيا قبل الثورة الليبية مروراً بتدخل حلف الناتو بعد إقناع برنارد ليفى لساركوزى بسرعة تدخل الناتو وصولاً لما أعلنتة صحيفة هآرتس الإسرائيلية عندما نشرت خبراً بعنوان " رحبوا بالسفير الإسرائيلى في طرابلس أولى ثمار الربيع العربي" .
و بعد طرحنا للمشاريع التآمرية الثلاثة على المنطقة هل أصحاب الجغرافيا و التاريخ وأغلبية سكان المنطقة و أصحاب لغة الضاد يفرضون حدودهم الجغرافية و السياسية و العسكرية و الاقتصادية على خريطة الشرق الأوسط الجديد، هل بات لدينا مشروع موحد يبسط نفوذ أمتنا العربية على الإقليم و يحمي أمنها القومي من المخاطر التى تزداد كل يوم على شعوبنا العربية .
فادى عيد
الباحث و المحلل السياسى بقضايا الشرق الأوسط
fady.world86@gmail.com