الرياض ــ خالد العمري
أبان معالي نائب وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الدكتور توفيق بن عبدالعزيز السديري أن من مقتضيات الانتماء والمواطنة حب الوطن والدفاع عنه ، وتقديم الغالي والنفيس من أجله فيما ليس فيه مخالفة أو معصية ، والسمع والطاعة لولاة أمره ، وعدم الخروج عليهم ، ولزوم جماعتهم ، والمحافظة على مقوماته ومرافقه ، وتعزيز وترسيخ مفاهيم الانتماء والمواطنة .
جاء ذلك في سياق محاضرة لمعالي الدكتور توفيق بن عبدالعزيز السديري ألقاها بعد صلاة مغرب يوم الخميس السابع من شهر رجب الجاري 1437هـ , في جامع الإمام تركي بن عبدالله ــ رحمه الله ــ (الجامع الكبير) بوسط مدينة الرياض بعنوان : (شبهات حول الانتماء والمواطنة والرد عليها ) .
وقد ركز الدكتور السديري في محاضرته على عدد من العناصر هي : تعريف الانتماء والمواطنة ، وأهمية الانتماء والمواطنة ، وأصول الانتماء والمواطنة من القرآن والسنة ، ومقتضيات الانتماء والمواطنة .
وعرف معاليه الانتماء بأنه الانتساب سواء كان هذا الانتساب لبلد أو قبيلة أو أسرة أو غير ذلك ، أي هو علاقة منطقية بين الفرد والمجموع الذي ينتمي إليه ، وعكسه اللا انتماء وهو شعور المرء بأنه بعيد عن البيئة التي ينتمي إليها ، أما المواطنة لغة فهي : مصدر الفعل ـــ واطن ـــ بمعنى واطنه على الأمر ، واصطلاحاً بأنها : التفاعل الإيجابي مع المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان والشعور بالانتماء إليه .
وأشار معالي الدكتور السديري إلى أن أهمية الحديث عن موضوع الانتماء والمواطنة تأتي من أهمية الظرف الراهن الذي نعيشه ونحن نرى التشتت الشديد والتفرق والتنازع من حولنا خارج هذه البلاد المباركة ، وقال : إن الانتماء والمواطنة يعني تحفيز الشعور بالأهمية الشرعية لأن يكون في داخلك انتماء لهذا الوطن لبلدك وشعورك بمعنى أنك مواطن ،بأنك واحد من أفراد هذا الوطن ، لفظان مهمّان انتماء ومواطنة ، والانتماء دائرة مهمة لإدخالك في مجموعة التأثير ، وعكس الانتماء العزلة الشعورية ، وفكرة العزلة الشعورية طرحت من بعض الحركات أو الجماعات الإسلامية للتنفير من الإيجابية في المجتمع ، يقول هذا مجتمع فاسد وجاهل فعش في عزلة شعورية ، تكون معهم بجسدك ولكن انتماؤك يكون لجماعتك الخاصة ولفكرها ، وهذا العزل الحركي والدعوي هو الذي سبب وجود الأفكار التكفيرية والتفجيرية والغالية في شباب كثير في الأمة .
وتحدث معالي الدكتور السديري عن حب الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ لمكة المكرمة ، والخروج منها ، فقال : النبي انتقل من مكة في هجرة شرعية ، لأي معنى يحزن على شيء فارقه شرعاً ، لأمرين أولاً : لأن الفطرة مغروس بها حب الوطن ، ثانياً : لأن حب الوطن الفطري متوافق مع الشرع ، وإلا لو كان يخالف معنى الهجرة لما سأل عن مكة وأحوالها ، هل هي طيبة ؟ أو ليست طيبة ؟ ، فهي بلد عدو في ذلك الوقت ، أخرجت النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ ، جاء في الحديث الآخر يبين الحب الفطري الذي في قلب النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ ، قال في مكة : ( اللهم إنك أحب بلاد الله إليّ ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت ، فجعل سبب خروجه هو إخراجهم له ، هذه مسألة فطرية موجودة في النفس ، لكن يزيد عليها أمر آخر شرعي بدعاء النبي بقوله اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد ، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يدعو إلى شيء غير مشروع ، فلو كانت المدينة مساوية لغير المدينة ومكة مساوية لغيرها في النفس الفطرية لأنه نشأ فيها لكان الأمر لا يتطلب سؤال الله ــ جل وعلا ــ أن يحبب معناه أن هذه المحبة مطلوبة شرعاً .
بعد ذلك استعرض معالي نائب وزير الشؤون الإسلامية الأثر الذي يترتب على حب الوطن ، وقال : إنه أثر عظيم جداً ، فوجود الانتماء مع الناس يجعل بينك وبينهم شعور بأنكم شيء واحد ، هذا مهم جداً في نشر الدين بقوة ، الأثر في الدعوة والخير والإحسان في البذل .
ورأى معاليه أن هناك مشكلة شعورية اليوم عند بعض الناس أو كثير من الناس بشكل عام ممن يخاطبهم الأئمة والخطباء والدعاة ، إذ لا يشعرون بأهمية مكة والمدينة في الأرض ، فأقوى قوة عندنا في المملكة العربية السعودية نواجه بها كل ضعف أمام العالم مما يعني القوة السياسية ، والقوة الوطنية ، والقوة الانتمائية ، هذي هي القوة الباقية دائماً ، مكة والمدينة هذه أقوى قوة لدينا ، التي تغرس انتماء الرسالة وانتماء التأثير وقوة الانطلاق ، لذلك لدينا في بلدنا بُعد انتمائي آخر لا يوجد في أي مكان .
وأردف معاليه يقول : في هذين الأثرين العظيمين اللذين تتعلق بهما قلوب الكثير من أهل الأرض ، تتجاوز أعدادهم مليار وخمسمائة مليون إنسان تقريباً ، ويخشاها مليارات أخرى ، لذلك فإن الهيبة الموجودة لهذه البلاد هيبة متنوعة الأسباب ومن هذه الأسباب مكة والمدينة ، ولذلك الشعور بالانتماء والمواطنة الذي نفرح به ونعتز به أكثر وأكثر هو حبنا لبلدنا المملكة العربية السعودية التي أعظم ما فيها مكة والكعبة المشرفة ، والمدينة ومسجد رسول الله ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ ومثوى رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ــ هذا الشعور يعطيك بعد ثاني ، يعطيك فخر ، يمنحك انتماء ، يولد لديك دافع بأنه يجب عليك أن تعمل وتعمل لأحبائك وإخوانك في بلدك وفي غيرها ، فأنت في انتمائك ومواطنتك لا تحتاج إلى دليل ، لأن معك ( اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد ) .
وفي بيان معالي الدكتور السديري أصول الانتماء والمواطنة من القرآن والسنة النبوية قال : نحن ننطلق في جميع أمور حياتنا العامة والخاصة من منطلق أساسي ورئيسي لدينا ألا وهو القرآن الكريم والسنة النبوية ، ننطلق من ديننا وعقيدتنا والمنهج القويم الذي قامت عليه هذه البلاد المباركة منذ نشأتها الأولى حتى وقتنا الحالي ، فالارتباط بالقرآن الكريم والسنة النبوية مرتكز في أدبياتنا وفي معاملاتنا وفي أخلاقنا ونصدر من خلالهما ونتوقف إذا أمرنا بالتوقف .
واستشهد معاليه بأدلة من القرآن الكريم ، والسنة المطهرة عن الانتماء والمواطنة ، قائلاً : ذُكر موضوع الانتماء والمواطنة وورد في القرآن الكريم في عدة آيات وأحاديث نبوية ، يقول الله ـــ جل وعلا ـــ : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عن الله أتقاكم إن الله عليم خبير } ، فالآية الكريمة تدعو الناس إلى الارتباط والانتماء تحت مسمى القبيلة أو الشعب ما لم يكن في ذلك مخالفة للإسلام وتعاليمه وأوامره ، وعن الزهري أخبرنا أبوسلمة بن عبدالرحمن أو عبدالله بن عدي بن الحمراء الزهري أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بالحزورة في سوق مكة : ” والله إنكِ لخيرُ أرضِ الله وأحب أرض الله إلى الله ــــ عزوجل ــــ ولولا أني أُخرِجتُ مِنكِ ما خرجتُ ” ، وفي هذا الحديث بيان لمفهوم الانتماء للأرض وحب الوطن والبلد الذي نشأ فيه الإنسان وترعرع فيه وارتبط بترابه وبأرضه ، وهذا فعلُ وقول النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ.
وواصل قائلاً : أما الانتماء إلى الدولة أو الوطن وحبه والدفاع عنه والذود من أجله ، فكثيرة هي النصوص التي دعت إليه ، والسلف ــــ رضوان الله عليهم ـــ ما تركوا شاردة ولا واردة في هذا الأمر إلا وأصلوها ، وبينوها أفضل البيان وأعظمه ، وذلك فيما يتعلق بولاة الأمور والسمع والطاعة لهم وحب الوطن وعدم الخروج على ولاة الأمر ، والانتماء إلى البلد معناه الانتماء إلى قيادتها وولاة أمرها والسمع والطاعة لهم في المنشط والمكره ، يقول الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب ـــ رحمه الله ـــ : ” الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء ولولا هذا ما استقامت الدنيا لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم ” .
وختم معالي الدكتور السديري ــ محاضرته ـــ بالحديث عن مقتضيات الانتماء والمواطنة ، إذ قال : لاشك أن لكل أمر من أمور حياتنا تبعات ومسؤوليات وله كذلك مزايا وإيجابيات ، ومن تبعات الانتماء والمواطنة :ـ حب الوطن والدفاع عنه وتقديم الغالي والنفيس من أجله في ما ليس فيه مخالفة أو معصية ، والسمع والطاعة لولاة أمره ، وعدم الخروج عليهم ، ولزوم جماعتهم ، والمحافظة على مقوماته ومرافقه وتعزيز وترسيخ مفاهيم الانتماء والمواطنة ، فإذا عرفنا كل ما تقدم فيجب أن نعلم أن من مقتضاه أن ننطلق إلى رحاب أوسع ، ونطاق أكبر من القناعة ثم التأثير ، لا يمكن أن نؤثر إلا بفهم هذا الموضوع.
وقد شهد المحاضرة سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ ، إلى جانب عدد من الدعاة والأئمة والخطباء وجمع من الناس .