انطلقت الفعاليات العلمية والأدبية لملتقى حاتم الطائي ” الدولي ” الثالث تحت عنوان ” الملك المؤسس في الأدب العربي ” الذي ينظمه نادي حائل الأدبي الثقافي ، حيث افتتحت الجلسة الأولى من الفعاليات تحت محور ” الملك المؤسس في الذاكرة الأدبية ” بعنوان “الملك المؤسس في الأدب العربي” وترأس الجلسة الدكتور سحمي الهاجري الذي رحب بالحضور وقدم سيرة مختصرة عن المحاضرين في الجلسة والتي افتتحها المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب العراقي الدكتور أحمد محجوب خلف الجبوري قدم خلالها قراءة تاريخية للمشتركات الثقافية والأدبية بين المملكة العربية والسعودية والعراق ، وافتتحها بأبيات وقف لها الحضور تصفيقا ،
وقال :
هنا عرف التاريخ سيفاً مقاتلا وشعراً يوازي الحرف معناً وقائلا
هنا كان حاتم الكريم وراثة تكرره الأرحام نسلاً مماثلا
هنا مر أجدادي وكانت ركابهم تميل بلا حادٍ وتدنو بلا بلى
لأن الجفان السود يندبن في الدجا مواقد كالرايات يطلبن آكلا
كأن لسان الحال للقوم قائل و إني لعبدالضيف مادام نازلا
كما عشق سلمى للأجا منذ فجرها أحبك ياسمراء ما دمت ” حائلا ”
وتحدث الجبوري عن العلاقة بين أرضي المملكة العربية السعودي والعراق وشعبيهما وعن المشتركات التي تجمع البلدين والتي أكد أن حاتم الطائي يعد من أبرز و أهم المشتركات مشيراً إلى أن أبناء طي في العراق كثرة ويشتركون ببيت جدهم هنا في حائل ، و أضاف الجبوري أن من المشتركات بين البلدين المشتركات الجغرافية التي سهلت التواصل الأدبي والثقافي ، والمشتركات الاجتماعية ودورها في صياغة التلاقح الأدبي والثقافي وقال إن القبائل تمتد من القبائل الأصيلة المنحدرة من العرب القحطانية والعدنانية المنحدرة من نجد والحجاز وبلاد الرافدين وقال إنها تمثل فرصة مهمة للتواصل الاجتماعي والفكري المميز مؤكداً أنه لا تزال هذه البطون من القبائل تتعرف على بعضها وتتواصل مع بعضها و تنتسب لبعضها عابرة حدود الجنسيات عبر طريق الأجداد و ما زالت هذه القبائل تجدد علاقاتها عبر التزاوج المستمر ، وتحدث الدكتور الجبوري عن المشتركات في المعارف الإسلامية ، والمشتركات الثقافية والفلكلورية والمشتركات في التحديات الأمنية ودورها في صياغة فكر وثقافة التحصين والمواجهة والمشتركات التجارية والاقتصادية ودورها في تدعيم التواصل الفكري والثقافي و أثر الثقافة والأدب في بلورة المشتركات السياسية .
وأبان المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب العراقي الدكتور أحمد محجوب خلف الجبوري أن تاريخ الجزيرة العربية ووادي الرافدين يمثل صفحة مهمة من تاريخ وحضارة المنطقة والعالم ويشكل باتساق وحدة متكاملة من التسلسل الحضاري والثقافي ما يجعل من حالة التحامه واندماجه ضرورة ملحة لكلا البلدين (العراق والسعودية) ، وقال إن هذا التدفق الحضاري الممتد في عمق الزمن لآلاف السنين لا يمكن فصله عن بعضه بأية حال من الأحوال ، ويصعب سرده منفردًا عن توأمه لما تشكل المشتركات فيه من أعمدة موضوعية لا يمكن تقسيمها أو توزيعها في الإطار الجيوسياسي والثقافي والإنساني لأنها هي البداية ، مضيفا هي الإقرار بأنّ الطروء على فهم حالة مجتمع، عبر إسقاط آليات جامدة وسريعة تحكم على المجتمع من زاوية نظر آنية ضيّقة نبتت في بيئة لا تتصل به ، وهذا يعدُ مغامرة لا يقوم بها إلا المؤدلجون بضميرٍ ساعٍ لإعادة قراءة الواقع وتكييفه وضخّ أفكارهم وقيمهم الجديدة في ثناياه ، فينخلع لهم لبُ من ينهبل على الشعارات، من دون أن يُحِيل النظر في التاريخ، ويفهم كيف يتشكّل المجتمع، وكيف ينضج، وكيف تبدو التجارب وتنطوي المرارات ليبدأ الحصاد.
وقال الدكتور الجبوري إننا نحتاج دومًا لقراءة التاريخ، حتى نستطيع فهم أيّ حالة من سلوكيات المجتمع، أو أيّ قرار سياسي ثبت عليه، ولا يمكننا القيام بخطوة للأمام أو الانتهاض والترقِّي، ما لم نقرأ تفاعل الإنسان القديم مع البيئة، وما فصّلته فيه من قوانين، وما نحتَه هو من قِيم، وما تشكّل من عقائد وإيمان ، وأكد أن الذي نحن فيه لا ينبت من فراغ بل يَنسل من تراكم التّجارب الذّاتية والجماعية الرّوحية والمادية والقفز عليها أو باسمها يقتل روح المجتمع ويشوهها، لذلك فإنّ الرحلة في التاريخ تجلّي الصورة ، وتبيّن الركائز التي قام عليها الحاضر والعظات ولكنّها رحلة تبقى مقرونة بمحاذير أبرزها أن لا نعلَق في تفاصيلها، ونجتر مراراتها لتعيش معنا ، مشيرا هذا الكتاب مبذول ومفتوح لكل من أراد أن يفهم لماذا يتصالح الخليج ، ولماذا تشكّل واقعه السياسي بهذا الشكل على أن يقرأه بنفس الاتعاظ وتتلخص فرص التلاقح والتلاقي الفكري والثقافي والأدبي
واستعرض الكاتب الصحفي الأستاذ عبد العزيز أحمد نصيب خلال الجلسة الملك عبد العزيز آل سعود “طيب الله ثراه” في الذاكرة الأدبية المغاربية وقال : كان لنشأة الدولة السعودية الحديثة (1319هـ/ 1902م) على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود صدى واسع في الدول والأقاليم العربية الدانية منها والقاصية ، مشيراً أن ما تم إنجازه من هذا التأسيس على يد الملك عبد العزيز-رحمه الله- حدث جليل بكل المقاييس ؛ من مقياس العدد من الرجال الذين استرجع بهم ملك آبائه وأجداده، وكذلك الإمكانات المادية المتاحة له آنذاك، و بالإضافة لمقاييس التخطيط العسكري، وأساليب التنفيذ، ومقياس الزمن في الإعلان عن ميلاد دولة حديثة على مساحة نصف قارة، وأضاف تقوم على أساس حضارة ذات شقين فالشق الأول شق روحي أخلاقي قوامه الشريعة الإسلامية، والشق الثاني شق مدني عمراني أُحسن أخذه من مدنية الغرب الحديثة ، و أكد أن من بين تلك الأصقاع التي تفاعلت مع وقع الأحداث تفاعلاً حيًا إيجابيًا منطقة المغرب العربي.
وقال لعل أبرز من تناول إنجازات الملك عبد العزيز-رحمه الله- أدباء وكتاب وأئمة من معظم دول المغرب العربي، ومن بينهم الشاعر الجزائري محمد العيد آل خليفة في ديوانه بقصيدة تحت عنوان “فقدنا مليكا عادلاً”، حيث كان مطلعها:
لك الويل من نعي به هتف البرق فريع له الإسلام واضطرب الشرق
وردده المذيـاع مــن كـل موطــن فَصُمَّت به الآذان واحتبس النطق
وفاضت به أنهار كـلِّ صحيفــــة كما فاض من آماقنا دَمْعُهَا الودق
فقدنا مليكا عادلاً ظهر الهدى بإنصافه في الحكم وانـتصـر الحـــق
مشيرا أننا نجد أيضا الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس، وشيخ علماء الجزائر محمد البشير الإبراهيمي، وشاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا، وكل من الشاعرين التونسيين: محمود بورقيبة، وأحمد خير الدين. ونجد أن كل من ذكرناه أو لم نذكره قد تناولوا الملك عبد العزيز -رحمه الله- في نماذج و ألوان مختلفة أفصحوا من خلالها عن استفاضات مستقاة من المضامين المتعالية والمنشودة التي تجسدت في تلك الروح الوثابة، والهوية التاريخية، والاحتفاء بتحولات الأمة من الاستسلام والاندحار، إلى الصعود لمدارج العزة والكرامة والإباء، التي نهض بها وجسدها حية فاعلة.
وألقى نصيب أبياتاً للشاعر: محمود بورقيبة قال فيها :
إيه أبناء موطني هــــل رقي بعد هذا النزول هل من صعود
أبعدوا عن ظلال أهل الزوايا ولكم أســــــوة بــــآل سعــــود
لـكم أســـــــوة بفعـــل مليــك بــث روح الإسـلام بعـد الخــمود
موضحا أنني اعتمدت في دراستي هذه على المنهج الوصفي التحليلي الذي أجده الأنسب لدراسة مثل هذه الموضوعات، بمحاولة الوقوف على أهم الحقائق والوقائع التي حدثت في عصره-رحمه الله- كذلك توثيق المادة المنقولة والمستشهد بها من نصوص قديمة أو اقتباسات حديثة متعلقة بالدراسة.
مشيراً أن حياة الملك عبد العزيز- رحمه الله- تمثل ملحمة رجل أفنى عمره في خدمة الإسلام والمسلمين سعيًا منه إلى التوحيد والازدهار والتقدم، وفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية، مؤكداً أن هذه الشخصية تمثل واحدة من أهم الشخصيات التي عرفها العصر الحديث ، لذا لا يليق أبداً أن تبقى معرفة شخصية و أعمال الملك عبد العزيز-رحمه الله- وقفا –خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة – عند حدود بلده، وإنما بعث مشاريع هادفة يسعى من خلالها أصحابها إلى التعريف بالملك، وتاريخه ومنجزاته خارج المملكة في العالمين العربي والإسلامي أولاً، ثم في العالم أجمع بعد ذلك.
وتحدث خلال الجلسة رئيس مركز الدعوة الإسلامية في البرازيل وأمريكا اللاتينية الشيخ أحمد علي الصيفي و تناول في ورقته محور ” الملك المؤسس في الذاكرة الأدبية العالمية ” وقال إن هذه الشخصية الرائدة التي تمكنت من تحقيق فتح مبين كان أشبه ما يكون بحلم ضبابي أو بريق أمل وهدف مستحيل أو شبه مستحيل تمكنت من جعله واقعًا حقيقيًا فرضته بقوة على الواقع ورسخت وأرست من فراغ قواعد دولة قوية موحدة حديثة ذات سيادة وإرادة نهضت كالطود الشامخ وأثبتت نفسها كيانًا حضاريا ومملكة موحدة ذات أثر وتأثير، وامتد تأثيرها من حيز المكان لبسط الوحدة الشاملة وتوطيد الأمن والأمان وتأليف القلوب وتوحيد الصفوف مدعمة بعناصر القوة الداخلية ومتانة العلاقات الخارجية ومقومات القيادة والتأثير الفاعل فيما حولها من دول العالم العربي ودول العالم الإسلامي وترتفع راياتها عالية خفاقة براقة كقوة عالمية ذات ثقل سياسي واقتصادي لها كلمتها ووقعها وإيقاعها في المحافل الدولية والعلاقات العالمية والأحداث الإقليمية، وحضورها في صياغة الأحداث وحركة التاريخ المعاصر وأثبتت قدرتها وفاعليتها في بلورة الحدث بصورة مشرقة تدعو للتأمل والتقدير والإعجاب.
فيما تناول مدير عامً للتربية والتعليم بمنطقة المدينة المنورة سابقا الدكتور تنيضب عواده الفايدي الجانب الأدبي لاجتماع رضوى التاريخي للملك عبد العزيز وقال أخذت العلاقات السعودية المصرية جانبًا مهمًا من عناية الملك عبد العزيز –رحمه الله- واهتمامه الوثيق بها، يقينًا منه رحمه الله بالقيمة الكبرى لهذه الدولة الشقيقة، وما ينتظر منها من أثر جوهري في خدمة باقي القضايا العربية المصيرية، لأن الملك عبد العزيز همه الكبير هو الوحدة العربية وتوحيد الصف العربي، وإزالة كل ما يحول دون الوحدة العربية التي تعني الاتفاق على كل ما يخدم الأمة العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي بذل لأجلها الملك عبد العزيز الغالي والنفيس، وتوحيد الدول العربية ضمن إطار واحد، وأضاف أنه نتج عن ذلك الاجتماع فكرة جامعة الدول العربية، ونظرًا لهذه المهمة وهي توحيد الصف العربي فقد مدّ الملك عبد العزيز – رحمه الله – يد الأخوة والصداقة لجميع إخوانه رؤساء الدول العربية بأكملها، ويحثهم على الوقوف صفًا واحدًا ويدعوهم إلى نبذ الفرقة والاعتصام بحبل الله المتين، ومن هذا الغرض تم اللقاء بين الملك عبد العزيز -رحمه الله – والملك فاروق ملك مصر سنة 1364هـ / 1945م في المنطقة التي بين مدينة ينبع وجبل رضوى، مشيراً هكذا دخلت رضوى سيرة الملك عبد العزيز، وأخذت شهرة واسعة، وقال إن مؤتمر خليج رضوى كان بمثابة النافذة للمملكة العربية السعودية إلى العالم الخارجي، وقد أثمر هذا اللقاء عن مجموعة من المهام والفوائد نذكرها بالاختصار، وأبان نذكر الجانب الأدبي في هذا الاجتماع. ولعلّ من أهم نتائج اجتماع خليج رضوى هو إقامة العلاقات مع العالم الأوروبي والأمريكي والمشاركة في تأسيس هيئة الأمم المتحدة، واجتمع – رحمه الله – مع الرئيس الأمريكي روزفيلت إلى غير ذلك من توثيق العلاقات بالدول الخارجية، لذا يعتبر اجتماع خليج رضوى أهم الاجتماعات التي عقدها الملك عبد العزيز – رحمه الله-.
وأجاب مقدمو أوراقَ العملِ على عددٍ من المداخلات من قبل الحضور والتي اشتملت على عدم ايفائهم الملك عبدالعزيز حقه من خلال أوراق العمل التي قدمت نظير ما قدمه من توحيد للمملكة.