أثار تقدم فصائل من المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي خلال الأيام الماضية، تساؤلات عن سبب صمت الطائرات الروسية، قبل أن تضيف تسريبات وكالات تاس الروسية عن التحضير لعملية في المنطقة، مزيدا من الغموض على مشهد الحرب السورية.
وبعد أكثر من أسبوع على سيطرة المعارضة على مناطق عدة في ريف حلب، إثر دحر ميليشيات حزب الله اللبنانية التي تدعم القوات السورية، خرجت وكالة “تاس” بتصريحات منسوبة إلى رئيس الوزراء السوري، وائل الحلقي، بشأن معركة مقبلة في حلب.
ونقلت الوكالة عن الحلقي قوله لمشرعين روس خلال زيارتهم لسوريا الأحد، أن سلاح الجو الروسي والجيش السوري يُعدان عملية مشتركة لتحرير حلب، والتصدي لكل الجماعات المسلحة غير القانونية التي لم تنضم إلى اتفاق وقف إطلاق النار، أو تخرقه.
وتأتي هذه التسريبات بعد معلومات عن خلاف إيراني-روسي، تصاعدت حدته بعد امتناع سلاح الجو الروسي طيلة أكثر من 10 أيام عن تقديم الدعم الجوي، لوقف تقدم فصائل من المعارضة وجبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة في ريف حلب الشمالي.
والمعارضة كانت قد سيطرت على أراض تخضع لقبضة حزب الله المرتبط بإيران، ولاسيما بلدة العيس، وتلتها أراض استراتيجية تطل على مناطق عدة في المنطقة، وذلك بعد معارك أسفرت عن سقوط قتلى في صفوف الحزب الذي يقاتل إلى جانب القوات السورية.
وعقب هزيمة الحزب، التي وصلت أصدائها إلى لبنان مع مواكب تشييع القتلى، أعلن موقع العهد، التابع لحزب الله المصنف إرهابيا، في 5 أبريل الجاري، عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة تضم الجيش السوري، وحلفاءه لقيادة العمليات العسكرية في حلب وريفها.
ولم يصدر أي تعليق من قبل الجيش السوري والحكومة بشأن مضمون البيان، و”غرفة العمليات المشتركة” التي يعلن عنها للمرة الأولى، الأمر الذي أثار علامات استفهام بشأن صحته، والسبب الذي دفع موقع تابع لحزب لبناني-إيراني لنشره بمعزل عن دمشق.
ولتعقيد المشهد أكثر، أعلن مسؤول عسكري إيراني، قبل أيام، إرسال قوات خاصة من “اللواء 65 ووحدات أخرى إلى سوريا للعمل كمستشارين”، في محاولة على ما يبدو لملء الفراغ الناجم عن سحب القوات الروسية معظم قواتها من سوريا في 14 مارس الجاري.
إلا أن تسريبات الوكالة الروسية جاءت لتؤكد أن القرار في سوريا “لا يزال روسيا” وأن الجيش الروسي لا يأبه بحماية “حلفاء حليفه” من ميليشيات لبنانية وعراقية وإيرانية، بل يقتصر عمله على حماية وقف إطلاق النار والرد على الخروقات وضرب داعش والنصرة.
ويبدو أن موسكو، التي ساهم سلاحها الجوي في عملية طرد داعش من تدمر بمحافظة حمص قبل أسابيع، تهدف من وراء الإعلان عن التحضير لمعركة حلب، إلى التأكيد على أن “تحرير” المناطق السورية حق حصري لها، وبالتالي على الميليشيات الحليفة لدمشق الانكفاء.
فانتظار سلاح الجو الروسي خسارة حزب الله وميليشيات أخرى مرتبطة بإيران في ريف حلب ليعمد بعد ذلك إلى التدخل عبر تأمين الغطاء الجوي للقوات السوية، يؤكد على أن قراءة موسكو للحرب في سوريا تختلف كليا عن الطرح الإيراني المثير للنعرات المذهبية.
ويحمل الإعلان الروسي، الذي جاء على وكالة روسية نقلا عن رئيس الوزراء السوري، إشارات أخرى، فمن المحتمل أن موسكو لا ترغب بانهيار الهدنة، وتسعى إلى إبلاغ طهران وميليشياتها، بطريقة ضمنية، بضرورة الحفاظ على الوضع الحالي في ريف حلب.
وعليه فإن العملية التي يحضر لها، إن صحت معلومات تاس، ستقتصر على ضرب تنظيمي داعش والنصرة غير المشمولين بالهدنة، وإرسال إشارات إلى فصائل المعارضة المسلحة المصنفة “معتدلة” بأهمية الالتزام بمواقعها قبل انطلاق جولة جديدة من المفاوضات.
جدير بالذكر أن جولة المفاوضات من المقرر أن تبدأ في 13 أبريل الجاري، بعد أن كان مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، ستافان دي ميستورا، قد أعلن تأجيلها ليومين، بسبب سفره إلى دمشق وطهران للسعي للتوصل إلى تفاهم بشأن عملية الانتقال السياسي بسوريا.