يواجه المثقف عملية التغيير باهتمام بالغ لزرع عادات جديدة بحيث تتضاءل الطبيعة السائدة، ويبدأ البحث عن بيئة مختلفة تتجاوز العادات والتقاليد القديمة الخاطئة التي تؤثر على سلوك الإنسان فتفرض عليه التمسك بمعتقدات غير صحيحة كممارسة العنف ضد المرأة والأطفال للتطويع والطاعة والقوامة فيأتي ذلك ضمن السياق الذي كرره نيتشه في دفعه للفرد إلى التسامي عن أخلاقيات تشترط فعلاً جماعياً سلبياً كان بالأمس يُمارس، تفاوتت غاياته بين سوء إجراءات التطبيق وبين ثقافة الموروث.
على هذا الأساس لا نعلم هل قطيعة الماضي تصنع حياة أخرى لها قاعدة صلبة تستثني الفوارق بين المجتمعات وتسير خلف تقنية العصر ومتغيراته أم تضييق الخناق عليه وتقطع جذور الإمدادات التي ترتبط به وتترك جوهر الحكمة القديمة قائماً لأسباب واعتبارات كثيرة.
فحضارة اقرأ ليست إمبراطورية قامت على الغزو بالقوة وحد السيف وتميزت بالاستبداد الشرقي كما تذكر الأدبيات الغربية بل هي حضارة علم ومدنية، شاركت في خروج الغرب من التوحش إلى التحضر وساهمت مع جهود ثقافات أخرى في تطور العلوم وتشييد جملة من القيم الكونية كما جاء به د. زهير الخويلدي: في كتابه "مدنية الإسلام في مواجهة عولمة الإرهاب".
- كتاب مدنية الإسلام في مواجهة عولمة الإرهاب - أتى في سياق مناهض للهمجية والعنف والتسلط ويعارض الارتداد نحو الماضوية المقيتة والانغلاق والتعصب ويتصدى لكل محاولات
الإلحاق والاختراق والذوبان في الآخر الإمبريالي ويفكر بجدية في طبيعة العلاقة بين الإسلام والغرب، باحثاً عن علاقة ندية بين العرب والعجم وبين البيان القرآني والمنطق الفلسفي محاولاً تخطي الصراع نحو الاحترام المتبادل.
فمن وجهة نظر شخصية أرى أن الفرد المسلم اليوم في جميع أنحاء العالم شق عليه التأقلم والانصهار في الحياة الجديدة لوجود عقول تعيش الماضي والانغلاق في ملاذه وسكنه وتقلل من شأن العصر وتقوم بتصغير وتحجيم الأبناء في القيمة والمستوى الفكري مع أقرانهم في المجتمعات الأخرى، ولو أسرفنا قليلاً حول مفهوم بطء عملية التنمية وتداخل بعض القضايا المحورية
التي خرجت من عباءة عنف الأسرة إلى عنف ضد الدولة أسقطت الأبناء في مستنقع الإرهاب وحطمت الآمال لذويهم والوطن.
ومن جانب آخر تعود الأسباب إلى تداخل بين الطبقات الاجتماعية وتنامي الشعور بالعدوانية لعدم التوافق وشح في الحاجات الضرورية ما نتج عنها تشتت وتنافر إما بفعل القبلية أو بفعل ثورات دفينة داخلية لا تستطيع البوح بها لوجود الممنوع والحرام والصلة والقرابة والانتماء، ونعزو ذلك إلى عقد نفسية أو اجتماعية أو جنسية.
ما جعلنا نلاحظ بعض النقاط الهامة للخويلدي وهي الكف عن إحياء التقاليد والانغلاق على التراث والتوجه نحو الانفتاح على العالم دون الوقوع في فخ استيراد نماذج حداثية مسقطة ومشروعات تنموية فاشلة والعمل على بناء حداثة خاصة بالسردية العربية والقصص القرآنية.
وتخليص الديمقراطية العربية من أمراضها الهيكلية والبحث عن شروط الانعتاق من التبعية الثقافية
وتحقيق الاستقلال الحضاري للأمة وذلك بالابتعاد عن سياسة التدمير الذاتي،
والإيمان بسياسة حفظ الكيان والمشاركة في الارتقاء بالوجود الجماعي للبشرية.
فاليوم له نتائج مختلفة تتسم بالهيمنة والاستبداد الاقتصادي العالمي المؤثر على مناخ المجتمعات الغنية والفقيرة، فمتى تحررت النفس العربية من أشكال القهر وانتهاك الكرامة الإنسانية واستغلال الولاية الأسرية على تجريد الابن من حقوقه وإعادته إلى الماضي في عصر الذرة والتكنولوجيا الحديثة فلن ينتهي الإرهاب ولن تجفف منابعه مالم تعود للإنسان العربي مستحقاته من هذه المنظومة.
وعندما نشير إلى مشكلة جديدة وفكر جديد فإننا نخاطب العتمة داخل الفرد والحاجز بينه وبين عصره الذي لا ينفك يظهره بمظهر كيان مستقل وفي صدره ستون عاماً تحتدم وفجوة عميقة عمرها
أكبر من عمره الحقيقي.
مها الشريف
جريدة الرياض
new.live911@hotmail.com