ذهبت أمسية قرية الباحة التراثية بمهرجان الجنادرية 30 التي أقامتها جامعة الباحة باتجاه الموروث والتراث وجسدت الأمسية روح الجنادرية وصورتها التراثية من خلال مشاركة الشاعر الدكتور( عبدالرحمن العشماوي) في الأمسية بقصيدته الافتتاحية للأمسية وكانت بعنوان ( بائعة الريحان) .
الأمسية احتضنتها الخيمة الشعبية بقرية الباحة التراثية .. وحملت القصيدة روحاً عابقةً بالتراث ومفردات تراثية موغلة في التعبيرية والجمالية والبساطة وجاءت عبر حوارية جميلة جعلت تلك القصيدة أشبه ( بفيلم وثائقي تراثي ) يحكي قصة امرأة تمتهن بيع الريحان أسماها العشماوي (بائعة الريحان ) وسمى بها أحد دواوينه وفيها وصف حياة الماضي بكل صورها وجسد من خلالها كفاحها وطريقة حياتها وأجواء قريتها جاعلاً من تلك العوالم ( أغنية تراثية فريدة)
يقول في مطلع القصيدة :
بائعة الريحان …..في قرية رابضة …فى قمة الجبل
تعيش في امان تواجه الحياة بابتسامة الامل
وعندما تبيض ظلمة المساء بيضة السحر
وقبل أن تفتر مبسم الأفق تكون قد اناخت الركاب
في قرية الغشامرة مقر سوق السبت .
تبيع كل (دور) فيه الشيخ والريحان وربما ( قرن موز أو قرنين ) .
وقبل أن يودع النهار وعند نزعه الأخير
تكون في منزلها تدقق الحساب .
بائعة الريحان من يا ترى بائعة الريحان
امرأة تخمشها مخالب التسعين امرأة عجوز فى وجهها المجعد الجبين
إشارة إلى تعاقب السنين .
في وجهها متاعب الزمن
وفي أنحناء ظهرها حكاية قديمة جديدة .
أغنية ريفية فريدة … بائعة الريحان
رواية لا تعرف المراء و لا تعرف التزلف المشين .
والرياء تقول ما تشاء وربما يلجمها الحياء فلتزم السكون .
وتنتهي حكاية الريحان أو تموت
بائعة الريحان قذفت في مسمعها السؤال
ترنح السؤال واستطال وصال حول سمعها وجال
بائعة الريحان فى عينها شرود . في سمعها ثقل .
وربما راوده الخجل فأسدلت من صمتها حجابا .
لكن برغم صمتها قذفت بالسؤال يتبع السؤال.
فالتفتت إلي في ذهول وهمست تقول :
تريد أن أحكي لك الحكاية
فقلت – في تلهف شديد نعم ….
وكيف لا أريد؟!!
بائعة الريحان …. رمت إلي نظرة طويلة وأردفت بآهة ثقيلة
وانطلقت تقول :
حكايتى حكاية ….أما ترى بأنني أصارع الهرم
كأنني تساؤل من عصرنا القديم.
عن كل ما أراه من جديد أو أنني علامة تخبرك بما مضى
من عيشنا الزهيد
حكايتى حكاية …
قد عشت يا بني عالمين ولدت مرتين وربما أموت مرتين .
ثم ينطلق في مقطع آخر واصفاً طرفاً من حياة أطفال القرى على لسان ( بائعة الريحان) فيقول :
في قريتي بدأت الطفوله في قريتي لعبت بالتراب والحصى
رعيت في طفولتي الغنم وفي الصبا رعيت بيتي الصغير
وأي بيت أيها الفتى
ثم تذهب واصفاً بيوت القرى في الزمن الغابر:
ما عرفت جدرانه الدهان وأرضه لم تعرف المفارش الوثيرة
ما كان في منزلنا كنب ولم يكن في غرفتي سرير
وأين غرفتي كشوكة في حلق بيتنا الصغير
ولم تكن اذا اتى الشتاء تحرمنا لذة المطر
ثم ينطلق على لسانها معبرا عن حجم السعادة التي كانت ترفرف باجنجتها على تلك المنازل المتواضعة :
لكن بيتنا بالرغم من مظهره الحقير لم يعرف الشقاء
وربما لانه لم يعرف الثراء
حكايتي حكاية
من بيتي الصغير كنت املك الحدود
وعن رجال الماضي وقوة شكيمتهم وتسلحهم بالأمل تتحدث بائعة الريحان :
يداه ما صافحتا نعومة الحياة
لكنه بطل فى وجهه ابتسامة الامل
ثم يذهب العشماوي في تلك القصيدة الرائعة باتجاه المرأة في الماضي ليصور على لسانها تضحيات وحب وعطاءات المرأة في الماضي مجسدا ذلك العطاء بلغة معبرة :
منحته عنايتي وحبي الكبير
أغض طرفي ان قسا او ثار في غضب
وعادت بائعة الريحان حديثها الطويل
ولملمت ثيابها وانطلقت تقول :
في بيتي الصغير صرت اعرف الصدر الست تعرف الصدر
انها مزارع لزجي الحبيب في تهامه
كم صافحت ارجلنا طريقها الطويل فى اليوم مرتين .
ونحن نصعد الجبال وايما جبال
تناطح السحاب في شموخ لاتعرف الرضوخ .
وتضيف في لغة يغلب عليها الفخر بحجم العطاء الأنثوي الخالد معبرا عن لذة الكفاح :
في بيتي الصغير ذقت لذة الكفاح والتعب .
بعدها ألقى قصيدة عن مضايا والحصار بروح معبرة أثارت الشجن وذكرت الحضور بآلام الشعب السوري الشقيق والويلات التي يذوقونها اليوم
ثم ألقى قصيدتين من قصا ئد المناسبات التي كان قد ألقاها أمام قادة هذه البلاد ومنهم الراحلان خالد و فهد بن عبدالعزيز معرجا على مناقبهم العظيمة وجميل تعاملهم وتفاعلهم مع تلك القصائد
كما تحدث عن الشعر الشعبي من خلال الأمسية مؤكداً أنه منحاز عنه للفصحى رغم جمالية الشعر الشعبي ووجود شعراء كبار من أربابه لكنه يظل شعراً محدوداً كونه لا يستطيع الوصول إلى وجدان جميع الناطقين بالضاد .
مدللاً على ذلك ببعض مواقفه الشخصية التي حدثت مع شعراء آخرين من رواد الشعر الشعبي في بعض المناسبات الشعرية خارج المملكة
وفي نهاية الأمسية قدم رئيس وفد منطقة الباحة محمد غرم الله لافي درعاً تذكارياً للدكتور العشماوي تقديراً لمشاركته
الجدير بالذكر أنه تستقبل القرية التراثية مساء الخميس الشيخ الدكتور عائض القرني ٢\٥\١٤٣٧ في محاضرة تحتضنها القرية بعد صلاة المغرب .
أوضح ذلك رئيس وفد جامعة الباحة بالقرية فهد بن سعيد مجثل مبيناً أن الجامعة تشارك في هذه الدورة من المهرجان بعدد من الأمسيات والمحاضرات التي تناقش عددا من الموضوعات الآنية داعيا الجمهور الكريم لحضور تلك الامسيات والتفاعل معها وإثراءها.
وثمن مجثل لمدير جامعة الباحة المكلف الدكتور عبدالله الزهراني متابعته لوفد الجامعة المشارك بقرية الباحة وحرصه الدائم بان تكون المشاركه فاعله .