في قهوتي كل صباح اتكئ في زاويتي المعتاد عليها، أقرأ أحيانا وأكتب
أحيانا أخرى، تستلهمني وتستوقفني كثيرا لمت الأصحاب مع بعضهم البعض في
الطاولات المجاورة لطاولتي، لكن الغريب هو كونهم يتحولون على الصامت
وأجهزتهم على العام.. أصوات.. مقاطع
جوالاتهم تعلوا المكان بدلاً من
أصوات أحاديثهم، أجساد متقابلين لكن قلوب تعتلي قهقهاتُها مع عالمها الآخر،
لا احترام ولا اعتبار لمن هو بجانبك للحديث معه والاستئناس بصحبته، الذي
هو ربما ترك أسرته وأطفاله اللذان هم أولى من مضيعة وقتهِ مَعك بإخراجهم من
الشقق التي هي الأخرى تحولت إلى سجون ترى الأطفال من خلف الشبابيك ينظرون
للمارّة والأمل يعلوا آمالهم لعلهم يرون آبائهم لِفكْ أسرَهُم من قيود
الحياة التي قيدتهم ومسحت الروح التي بداخلهم
ماذا حَلَّ في حياتنا
وبساطتنا التي كنا نعيش فيها قبل قرن او قرنين؟ مَن نضع اللوم عليه؟ مَن
سرق ابتسامتنا في زمن أصبحت الأجهزة الذكية أهم من أُسرتنا وأصدقائنا؟ إلا
أننا رغم هذا كله لاتخلوا الإنسانية الزكية التي بداخلنا والفطرة التي
تربينا عليها من تَصَدِّينا لِتسارع الزمان وانشغالات الحياة مع وقفاتنا
اتجاه أباً أو أُماً أو أخاً أو صديقاً كان بحاجتنا، هذا ماجسده صديقي فهد
عندما ترك أطفاله وأسرته حيال الوقوف بجانب أباه الذي يرقد على السرير
الأبيض في المستشفى قرابة الشهر أو أكثر، وهو لم يغادره وعيناه لم تذق طعم
النوم لعله ينال شرف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الوالد أوسط
أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو أحفظه.) لكن هذه الإنسانية لم تقف
بل اجتمعت في قلب رجلين عندما جَسَّد مُحمد هو الآخر أروع أنواع الصداقة
بوقوفه بجانب صديقه فهد لِيقف على جميع احتياجاته وان لا يشغله شي من هموم
الحياة عن أباه، حينها تذكرت أنه مهما غَزا عالمنا الافتراضي قلوبنا
وعقولنا إلا أن الإنسانية الزكية عند البعض لايمكن اختراقها بسهوله، وهنا
تكمُن المساندة الحقيقية في المِحن، يقول جورج برنارد شو ( هناك أناس
تحدثهم عن اليأس فيحدثونك عن الأمل، هؤلاء هم من نحتاجهم بالقرب منا دائما.
) لاتشغلهم أجهزتهم ولا عالمهم الخارجي عنا، جميل ان تبقى القلوب على
المحبة والتواصل والأجمل عندما ندعو لهم ويدعون لنا.