فى الوقت الذي تلتف فيه كل الكاميرات حول محادثات الحكي بفيينا، كان الكل يتحرك من خلف الستار على رقعة ليبيا، بداية من أستبدال قطعة ( تنحية ) المبعوث الاممي برناردينيو ليون و أعطاء البرلمان الليبي أشارة عدم الارتياح للمبعوث المحتمل الجديد الالماني مارتن كوبلر الذى تولي مهمة تدمير العراق و قت أن كان مبعوث أممي للعراق، ثم تكليف الامم المتحدة للجنرال الايطالي باولو سيرا بملف ارساء الامن و الاستقرار بليبيا و التى تتركز على تفعيل اتفاقيات اعادة تأهيل الجيش و تدريب الشرطة و الجيش مع السلطة الليبية الجديدة و للعلم باولو سيرا كان رئيس بعثة اليونيفيل بلبنان و بتلك الخطوة أصبحت روما مسئولة رسميا عن استقرار و امن ليبيا . فجميع الخطوات السابقة تؤكد رغبة واشنطن فى أن تظل ليبيا تحت الوصايا الغربية، و تعكس اسلوب تعامل ادارة البيت الابيض مع الملف الليبي و الذى تجلي فى تصريح هيلاري كلينتون الفج عندما صرحت مع الاعلامية راتشيل مادو بأن الليبيين أغبياء جدا لا يمكنهم حكم أنفسهم .
و اذا كنا فى الوقت الاضافي للمبارة الذي أعلنت فيه الامم المتحدة رسميا نزول الاعب الايطالي للملعب الليبي بعد تكليفها بملف ارساء الامن و الاستقرار بليبيا، باتت روما رسميا و بقرار من الامم المتحدة أحد الاعبين الاساسيين بالملف الليبي فعلينا ان نرى بوضوع باقي الاعبين الذين كانو و لازالو أصحاب ثقل اساسي و مؤثر فى الملعب الليبي و ربما لم يراهم البعض بوضوح بحكم تحركاتهم الشبحية فى ظل فرض الوصايا الغربية على ليبيا .
فالامبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس بريطانيا كانت حاضرة من بداية المشهد و ليس فى منتصفه كما أنها لم تكن فى جميع تطورات الاحداث بليبيا كرد فعل بل كانت دائما فى موقف صاحب الخطوة الاولى، و مع انهاء كلا من رئيس فرنسا السابق نيكولا ساركوزي و رئيس وزراء أيطاليا الاسبق سيلفيو برلسكوني مراسم دفن رأئحتهم و صفحاتهم السوداء بعد مقتل معمر القذافي كانت بريطانيا تفتح صفحات أشد سواد و لكن فى تلك المرة لم تكن لرئيس فرنسا او رئيس وزراء ايطاليا الاسبق و لا لاي رئيس أوربي أخر و لكن للدولة الليبية نفسها، نعم فقد عزمت كلا من لندن و واشنطن فى ترسيم جديد لليبيا فور أنهيار مؤسسات الدولة الليبية بعام 2011م، و بعد تطورات الاحداث بالمنطقة و ما حدث بمصر فى الثلاثين من يونيو جعل كلا من لندن و واشنطن تعول على تحميل ليبيا العديد من الاجراءات التى تكفى ليس لاغراق الدولة الليبية نفسها لسنوات فى الفوضى و الدمار بلا لاغراق محيطها و جيرانها بالكامل بكل موجات الدم و الخراب لعقود طويلة و ليس لسنوات .
فكانت لندن أكثر داعمي الجماعات الاسلامية المتطرفة فى جميع المحافل الدولية علنا و بدعمهم فى السلاح بالخفاء و عدم الاكتفاء بدعم المتطرفون عبر كلا من الوسطاء فى المخابرات القطرية و التركية و لكن باتت لندن نفسها تدعم بشكل مباشر الجماعات الارهابية بطرابلس، و هنا يجب أعادة النظر فى التحركات البريطانية بالبحر المتوسط منذ منتصف العام الماضى و الدور المشبوه التى لعبته القاعدة البريطانية بمالطا و هو المشهد الذى تجلى فى توجه سفينة " ما في هالت " العسكرية من القاعدة البريطانية بمالطا تجاه طرابلس فى بداية ديسمبر الماضى، بالتزامن مع دعم لندن المباشر لحكومة عمر الحاسي .
و برغم قيام عقيلة قويدر رئيس المجلس الليبي بترقية اللواء خليفة حفتر الى رتبة فريق و تعيينه قائدا عام للجيش الوطني الليبي الا أن ذلك لم يجعل كلا من لندن و واشنطن أن يكفو و لو للحظة واحدة عن الهجوم الحاد على الجيش الليبي بعد أتباع عملية تهميش ممنهجة من الاعلام الغربي لكل المؤسسات الشرعية المنتخبة بالدولة الليبية و الاصرار على بقاء جماعة الاخوان المسلمون و أجناحتهم العسكرية فى المشهد بشتى الطرق، الى أن طفحت رائحة السياسة الخارجية البريطانية الكريهة التأمرية بعد سلسلة التصريحات المتتالية للسفير مايكل آرون و ما يقوم به من ضغوط على الجيش الليبي حتى أكتمل المشهد الانجليزى بتصريحات مارك غرانت مندوب بريطانيا لدى الامم المتحدة الذى تجاهل دور الجيش الليبي فى ردع الارهاب و حماية أمن و استقرار الدولة و بات يثني فقط على دور جماعة فجر ليبيا بعد أن زعم أن فجر ليبيا وحدها من يحارب الارهاب .
و بتأكيد كان الملف الليبي ابرز اولويات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارته لعاصمة الضباب لندن، و بعد تحركات وزير الخارجية الليبي و رئيس برلمانه عقيلة صالح قويدر اواخر اكتوبر المنصرم نحو القاهرة و أبو ظبي و عمان و موسكو و بعد أن رفض البرلمان الليبي الموافقة على حكومة وفاق وطني بقيادة فايز السراج بات الجميع يسئل ما القادم فى ليبيا، و هل ستكون ليبيا حلبة صراع جديدة بين موسكو و واشنطن على غرار سوريا، و هنا يجب علينا أن نتذكر جيدا تصريحات فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين عندما قال أثناء الحوار التلفزيونى الذى أجراة يوم 17 ابريل " أن العلاقات مع الولايات المتحدة انتهت بعد الاحداث فى ليبيا و ليس بعد احداث شبه جزيرة القرم " .
فليبيا كانت بداية معارك الكبار و قد تسلط عليها الاضواء الدولية مرة اخرى قريبا، فجولة ليبيا لم تنتهى بعد و هناك العديد من الاوراق لم تظهر على الساحة حتى الان .
فادى عيد
الباحث السياسي و المحلل الاستراتيجي
fady.world86@gmail.com