يطمح كل إنسان في أن يكون له قيمة وقوة، وأهمية ومكانة لدى بيئته، وداخل مجتمعه، كما يتمنى أن يكون من المشهورين والمعروفين بين الناس، وأن يكون ممن يشار إليه، ويسمع قوله، وتنفذ طلباته، ويعمل الآخرون على رعايته وخدمته . فالإنسان له حاجات أساسية، وحاجات ثانوية، كالحاجة إلى كسب نفوذ وسلطة، واكتساب سمعة ورفعة، وهي التي يكافح من أجل الحصول عليها بوسائل متنوعة، وأساليب مختلفة؛ كتقديم خدمة، وبذل مادة، وتوثيق علاقة، ونيل شهادة، وتطوير مهارة. وتعد الشهرة سمة ساحرة ، وجاذبة ومغرية؛ فيها لذة ونشوة، ومتعة ونعمة، لكنها بوجه عام هي نقمة وفتنة، وداء ومعضلة ، فالشهرة الواسعة، والأضواء الساطعة ؛ قد تجعل الشخص يفتن وينحرف، وقد يصاب بالنرجسية والغرور، والتصلب والتعنت، وعدم الأخذ بالنصيحة، أو الانقياد للحقيقة. أنظر إلى المشهور في أقواله وأفعاله، وشاهد سلوكه ونشاطه، والتي قد ترى عليها التأخر والبلادة، والقصور والسطحية، وكم من مشهور لديه ضلالات وانحرافات؛ تخالف دين الله تعالى، وفطرته التي فطر الناس عليها، وكم من مشهور قام بالبطش والظلم، والغش والتحايل ، وكم من مشهور استحل المحرم، وخالف المنهج، وغرر بصنيعه الجاهل والغافل. بل وقد تجد بين طلاب العلم من يهدف إلى الصيت والتبجيل، والاشتهار والافتخار ، وهذا فعل يوقعه في أتون الشرك الخفي، فلا ينبغي أن يشرك رضا المخلوق مع رضا الخالق، وفي الحديث الشريف: (من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله في النار). إلا إنه ينبغي إحسان الظن بمن جاءته الشهرة والسمعة، ونال الحفاوة والمكانة، فلا نتهمه باللهث خلفها، أو الجري نحوها، فالنيات لا يعلمها إلا الخالق سبحانه وتعالى، وهو الكريم الأكرم جل جلاله ؛ الذي إذا أحب عبداً جعل له القبول في الارض، وألقى محبته في قلوب الخلق، (إن الذين يعملون الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودًا)، أي يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة. فعلى الإنسان المشهور أن يدرك واجباته، ويلتزم بمسؤولياته، وألا يقصد بأعماله سوى طاعة الله تعالى؛ دون اعتبار لرضا البشر، الذين سيحاسبونه على كل صغيرة وكبيرة تصدر منه ، أو تظهر عليه، كما يرجى أن يكون متواضعاً، وفعله سامقاً، وسلوكه عالياً؛ حتى يكون أسوة حسنة ، وقدوة صالحة لكل معالي الأمور ، وعوالي القيم، وشريف الهمم.
د.عبدالله سافر الغامدي - جدة