حافظ سوق الدمج والاستحواذ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خلال الربع الثالث من عام 2015، على النشاط البطيء الذي شهده خلال الفترة الأخيرة، حيث فشل في تدارك وضعه الحالي ذي المستويات المتدنية. ولم يتمكن النشاط الإجمالي على امتداد 12 شهراً من تحقيق أية علامة تدل على الانتعاش، لتواصل التأثر بالاضطرابات السياسية في المنطقة والآثار الاقتصادية غير المباشرة للتراجع في أسعار النفط والتي تعتبر من بين العوامل الرئيسية المؤثرة على ثقة المستثمرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وعلى الرغم من التحديات على المدى القريب إلى المتوسط، وعند التفكير على المدى الطويل، فإن المنطقة لم تزل تشكل ملامح لأسس اقتصادية جذابة إلى حد كبير، بشكل يكفي للدفع نحو تنفيذ المزيد من الصفقات في المستقبل.
وعلى الرغم من أن العدد الإجمالي للصفقات المبرمة كان يشهد تدنياً عاماً منذ عام 2009، إلا أنه تحسّن بشكل طفيف خلال الربعين الماضيين مقارنة بالمستويات المنخفضة خلال الربع الأول من عام 2015، ووصلت القيمة المعلنة لعمليات الدمج والاستحواذ إلى أقل من ثلاثة مليارات دولار أمريكي خلال الربع الثالث من عام 2015، لتصل بذلك إلى مستوى دون متوسط الأعوام الستة الماضية. وأدى هذا التوجه إلى تراجع متوسط حجم الصفقات على الرغم من استمرار وجود توجه لتنفيذ صفقات كبيرة الحجم في المستقبل القريب. ويبيّن المخططان البيانيان 1 و2 أدناه التوجه التصاعدي للقيمة المتنامية للصفقات مقابل تراجع عدد الصفقات على امتداد الفترة بين عامي 2009-2014، في حين شهدت الأرباع الخمسة الأخيرة نكوصاً في ذلك الاتجاه.
وبالنظر إلى المسألة من منظور جغرافي، ففي حين لا تزال أنشطة إبرام الصفقات ككل مدفوعة بالأداء القوي في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فقد جذبت الدول من خارج مجلس التعاون الخليجي خلال الربع الثالث من عام 2015 معظم قيمة الصفقات المبرمة في مؤشر على الضعف الذي شوهد ضمن الدول المصدرة للنفط. وفي الواقع، كان نصيب منطقة الخليج خلال الأشهر الثلاثة الماضية 45 في المئة و44 في المئة على التوالي من القيمة المعلنة وحجم الصفقات المبرمة. هذا بالمقارنة مع حصة تاريخية تبلغ حوالي 63 في المئة من قيم الصفقات، مقابل 36 في المئة من حجم الصفقات. وعلى العموم، فإن الاتجاه العام السائد حتى الآن هو قيم صفقات أكبر في دول مجلس التعاون الخليجي، في مقابل عدد أكبر من الصفقات الصغيرة في دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وقالت ليزا رايت مديرة “زيفير” في هذا السياق: “لقد مثل الربع الثالث من عام 2015 انخفاضاً طفيفاً عن الربع الثاني من عام 2015 بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، حيث تراجعت القيمة من 2999 مليون دولار أمريكي إلى 2668 مليون دولار أمريكي، وذلك تماشياً مع الاتجاه العالمي العام لهذا الربع. وعلى العكس من ذلك، ارتفع الحجم مقارنة مع الربع السابق من 129 إلى 163. ويبدو أن قلة الصفقات ذات القيمة المرتفعة للغاية هو سبب الانخفاض في القيمة؛ وقد بلغت أعلى قيمة صفقات في الربع الثالث 314 مليون دولار أمريكي. وبالمقارنة مع الأرباع الأخيرة، فقد كانت قيمة أكبر صفقة في المنطقة خلال الربع الثالث منخفضة. كما شهدت الأرباع السابقة اتفاقيات تزيد قيمتها مجتمعة عن ملياري دولار أمريكي، مما يسلط الضوء على أهمية اتفاقيات الأفراد بالنسبة لأداء الربع بشكل عام”.
وواصلت شركات القطاعات الدورية في كونها محور تركيز أساسي من قبل الراغبين بالاستحواذ. وقد سجلت قطاعات مثل البناء والمواد الكيميائية، خلال التسعة أشهر من عام 2015، نشاطاً مقارنةً مع القطاعات الأخرى، في حين توقف دمج القطاع المصرفي بالمقارنة مع السنوات السابقة.
وفيما يتعلق بسلوكيات الصفقات، فقد حظيت عمليات الاستحواذ على حصص الأقلية بالعدد الأكبر من الصفقات الإقليمية خلال التسعة أشهر من عام 2015، محافظةً بذلك على موقعها الريادي خلال الأعوام الماضية مقارنة بالصفقات المتعلقة بحصص الأكثرية. وينسجم هذا الأمر مع التوجه العام بأن المستثمرين الإقليميين أقل إحجاماً عن إعطاء التحكم بشركاتهم إلى آخرين.
أما المستحوذون الخارجيون فإنهم مازالوا يعتبرون مكوّناً رئيسياً في سوق الدمج والاستحواذ بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث عكسوا بذلك تراجعاً بسيطاً بالنسبة لمستويات عام 2014. كما سجل هؤلاء خلال التسعة أشهر من عام 2015 حصة بلغت 52 في المئة من إجمالي الصفقات المبرمة أي أقل بقليل من الأرقام المسجلة خلال الأعوام الخمسة الماضية. من ناحية تعكس هذه الأرقام ثقة اللاعبين الدوليين الرئيسيين في عدد كبير من الاقتصادات الإقليمية، ومن ناحية أخرى هي خطوة للخلف في إجمالي ثقة المستثمرين في بعض الدول المختارة. وبشكل عام فإنها توفر خيارات خروج أوسع بالنسبة للمستثمرين المحليين.