كلنا يعلم أن العلمانية هي فصل الدين عن واقع الحياة بشكل جزئي أو كلي بحيث يقتصر الدين على المسجد بإعتباره دار عبادة وكذلك تدخل أعراف الدين في بعض المناسبات الإجتماعية كالزواج والولادة والعزاء، بمعنى أن المسجد لايتحدث فيه إلا رجال الدين فقط دون غيرهم من المسلمين حتى ولو كانوا لا يملكون أسلوباً خطابياً وغيرهم خطباء مفوهين .
ولازالت منابر خطبة الجمعة أحد الوسائل الثقافية والإعلامية المهمة في تكوين فكر المجتمع، كونها محاضرةً تثقيفيةً الزامية الحضور.
وبإستطلاع لرأي أغلبية الحضور والمستمعين لخطب الجمعة تبين لي أنهم أصبحوا يملون من التكرار في المعلومات وتشابه الأساليب واتجاه الخطبة الى الأسلوب الوعظي الثقيل على النفس، ناهيكم عن التكفير والتدحير ونشر الكراهية بين الإنسان وأخيه الإنسان ، حتى تطور الأمر بنا فكرهنا بعضنا البعض ونحن أتباع ملة واحدة وأبناء وطن واحد، ولا عجب لأننا تنشأنا على خطب بعضها يوغر الصدور ويقوي الكراهية، عكس مايدعوا له الإسلام من المحبة والتسامح بين الناس على اختلاف مذاهبهم وألوانهم وأديانهم ولغاتهم.
ومن وجهة نظري أن تستغل منابر الجمعة ليتحدث فيها الأساتذة والعلماء والمثقفين من كافة التخصصات الطبية والتربوية والقانونية والإعلامية و... و... و.. إلى آخره، ويتناول كل متخصص من هؤلاء استغلال أفكار تخصصه فيما يخدم الدين وينفع الناس وذلك لتكريس مبدأ الإسلام في الحياة، واحلاله محل المنهج االذي يتخذه بعض خطباء المساجد حيث أن واقعنا المؤسف يبين لنا أن المسجد لا يتحدث فيه الا واعظ ملتحي حتى لوكان يستغل الخطبة لمصالحه الشخصية أو لإثبات أنه المثالي الوحيد دون غيره من الناس.
وحتى إن تناول الخطيب موضوعاً طبياً أو تربوياً وخلافه فلايجدي الأمر نفعاً لأنه غير متخصص فيما يتحدث عنه.
وقد لاقت هذه الفكرة نجاحاً باهراً إلا أنها اقتصرت خطأً على المتخصصين المتدينين كالطبيب خالد الجبير على سبيل المثال، وإني أضمن لها مزيداً من النجاح والتأثير ان شملت كل متخصص في مجال من المجالات شريطة أن يكون متحدثاً جيداً.
إن خطباء الجمعة الحاليين يقومون بتطبيق الأفكار العلمانية في المساجد من حيث لايعلمون، وذلك بجعل المنبر خاصاً برجال الدين دون غيرهم مع أن شريعة السماء سمحت لجميع الناس بمختلف تدينهم بدخول المسجد بل أعطتهم الحرية كاملة في المساهمة في دور المسجد الثقافي والإصلاحي ، وبالسماح لجميع المثقفين والمتخصصين بإعتلاء منبر الجمعة نتخلص من مشاكل عدة من أبرزها الملل والرتابة ونكسب تنوع الطرح ومزيداً من الثقافة في مجتمع تكاد تنعدم فيه الثقافة أو الاهتمام بها.
وكلنا نعلم ماحدث من الشاعر كعب بن زهير على عهد رسول الله وفي مسجده ﷺ حينما وقف أمام المصلين من الصحابة متغزلاً بحبيبته "سعاد" بأبياته الشهيرة:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم إثرها لم يُفدَ مكبول..
وماسعاد غداة البين إذ رحلوا
إلا أغن غضيض الطرف مكحولُ
وهذه القصة يستأنس بها في جواز تحدث الشعراء وغيرهم من أصحاب الاختصاصات المختلفة في المسجد وبالبطع لا أدعوا إلى خروج دور المسجد عن مهمته الأولى وهي العبادة، ولكن المسجد كان ولازال له عدة أدوار منها تثقيف المجتمع واصلاح ذات البين وتفقد أحوال المحتاجين والحكم بين المتخاصمين وتربية الأبناء وتعليم أفراد المجتمع كباراً كانوا أم صغاراً، ولا يستنثى أي صاحب علم أو معرفة في أي اختصاص من المساهمة في أدوار المسجد المختلفة، ولا يشترط أن يكون ملتحياً وقصير الثياب وان سلمنا بذلك أو رضينا به، فإننا نقر بالعلمانية بل ونكرسها داخل بيوت الله.
للتواصل مع الكاتب: ماجد الهديه
maged.hadia@gmail.com
Twitter: @magedhadia
التعليقات 1
1 pings
عبدالعزيز الزهراني
22/09/2015 في 7:37 ص[3] رابط التعليق
كلام باهبت لالون ولاطعم ولا رائحة ..
(0)
(0)