عند زيارتي لمهندس صيانة السيارات وهو رجل أصمل في منتصف العمر، من عرب تركيا ,رحب بي ترحيباً حاراً ودعاني لتناول كوب من الشاي التركي اللذيذ، قبلت الدعوة وكان محتفياً بوجودي رغم بساطة المكان فأفرحني ذلك.
تجاذبنا أطراف الحديث فيما يقوم مهندسون آخرون بصيانة سيارتي،كان هذا الرجل يتحدث عن الدين والحياة بفهم عميق وكأنه لا يفتأ يقرأ الكتب برغم أنه مشتغل بصيانة السيارات.
طرح لي ذلك الميكانيكي بعض الأفكار الإسلامية والعلمانية وكنت أستمع إليه متعجباً ومستمتعاً وهو يبدي انزعاجه من بعض
الخرافات المنتشرة والتي لها علاقة بالعبادات فأخبرته أن الله حينما أمرنا
بالطهارة إنما أراد منا أن نطهر أنفسنا من كل سوء وخرافة، قبل أن يقاطعني
وهو يرمقني بابتسامة ساحرة: الله لا يحتاج صلاتنا،ولكنه يريد منا أن نبقى
على صلة معه .
واستدركت بعد ذلك قائلاً: صدقت، إن الله لا يحتاج عبادتنا ولن تغنيه صلاتنا وخزائنه ملئ لكنه إنما يريد منا أن نذكره ونكتسب منه بعض صفاته...الرحمة والمغفرة وكذلك والقدرة والعزة والجبروت، لتكون الأمور أكثر توازناً في حياتنا.
ثم أخبرني أن أخوه الذي ذهب للعمل في إسرائيل رجع إلى تركيا وهو يحمل فكرةً غريبة وهي أن اليهود أحسن من العرب بحسب تعبيره! ثم يبادر إلى تهدأتي بعد أن خرجت عيناي من الدهشة، وهو يقول: عندما كان أخي
ينوي الرحيل من إسرائيل جاءه رجال من الشرطة يقولون إذا لك أي أموال عند أي مواطن إسرائيلي فنحن نستخرجها منه بالقوة الجبرية.
هذا التصرف الأخلاقي من رجال الشرطة في الكيان الصهيوني جعله يستذكر ماحدث له في نفس البلد "فلسطين المحتلة" حين قام أحد العرب الفلسطينيين ببيع بعض الأضاحي لعيد النحر، ثم قام الفلسطيني بسرقتها ليتفاجأ هذا التركي بأن أغنامه التي اشتراها رجعت إلى صاحبها وظن أنها مزحة ظريفة!
لكنه وجد نفسه مجبراً على شراءها مرةً أخرى ليتمكن من إقامة شعيرة الأضحية في العيد مع المسلمين..!
ثم يقسم بالله العظيم أن اليهود أحسن من العرب، ويضيف وهو يضحك بشكل ساخر: لو ندعو الله على اليهود مئة سنة لن ننتصر عليهم طالما هم يتعاملون بالأخلاق الفاضلة ونحن على العكس تماماً.
التفت إلى جهة سيارتي، وأنا أخفي غير ما أبدي، محاولاً تغيير الموضوع وفي داخلي بعض التناقضات التي عجزت أنا عن تفسيرها.