أجابت دراسة أصدرتها غرفة الشرقية ممثلة بمركز المعلومات والدراسات عن تساؤلات عدة أثيرت مؤخراً حول الثروة النفطية الأمريكية المكتشفة حديثاً أو بمعنى أدق التي ساعدت التكنولوجيا الأمريكية الحديثة على استخراجها من الصخور المتوافرة بكثرة في المياه والأراضي والجبال الأمريكية (النفط الصخري)، وهل من الممكن ان تستغني عن استيراد النفط من المملكة.
وتناولت الدراسة التي صدرت حديثاً مستقبل العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين بعد إعلان الولايات المتحدة اقترابها من أن تكون بلداً مصدراً للنفط والغاز وليس مستورداً لهما.
وكشفت الدراسة بأنه وبالرغم من التقديرات الحديثة الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية التي ترجح إمكانية حصول الولايات المتحدة على المركز الأول عالمياً في إنتاج الطاقة، إلا أن السؤال يبقى مطروحاً في إمكانية مدى اكتفاء الولايات المتحدة الامريكية ذاتياً من الطاقة بفضل ثورة النفط الصخري، وما إذا كانت هذه الزيادة الناتجة عن تطور التكنولوجيا الحديثة في الحفر قد تؤدي إلى تغيير معادلة الطاقة العالمية، والتي يمكن أن تتغير موازينها بين قسمي الكرة الأرضية.
وأبرزت الدراسة اختلافاً في الآراء بين الخبراء والمتخصصين إزاء مستقبل الأسعار بعد الزيادات في الإنتاج من النفط والغاز الصخري، فهناك فريق يتوقع انهياراً في الأسعار، بينما يرى فريق ثان أن النمو في الطلب على النفط سينتقل إلى مستوى آخر من التوازن.
وأكدت الدراسة بأن المملكة تعد من أهم دول العالم على الإطلاق فيما يتعلق بموارد الطاقة، وخاصة النفط الخام والغاز الطبيعي. كما تؤكد الدراسات المستقبلية أن المستقبل النفطي لا يزال مزدهراً وسوف يبقى في صدارة الطاقة واستخداماتها الصناعية والتجارية طوال القرن الواحد والعشرين. ويدرك الأمريكيون أهمية البترول لاستمرار عمل النظام الاقتصادي بالولايات المتحدة الأمريكية ، إذ يشكل النصيب الأكبر من واردات الولايات المتحدة الأمريكية حتي الآن من دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتهم السعودية ، كما يعد هذا القطاع مجالاً خصباً لاستثمار الشركات الأمريكية.
وألمحت الدراسة إلى أن النفط السعودي شريكاً قوياً في التجارة العالمية، وإذا وصلت الولايات المتحدة إلى الاكتفاء الذاتي، فإنه يهمها كقوة عظمي أن تستمر علاقاتها مع دول الخليج البترولية الشريك القوي في التجارة الدولية على أعلى مستوى، فالبلدين يشتركان في أهداف مهمة تتعلق بتحقيق التوازن في سوق النفط. وأحد هذه الأهداف هو منع أسعار النفط من الارتفاع بدرجة كبيرة.
وفيما يتعلق بالنفط الصخري فإن تكلفته تعتبر متغيراً جديداً في معادلة الأسعار، مما سينظر إليه داعماً لصناعة النفط بشكل عام والأسعار بشكل خاص، حيث أن المتداولين في أسواق النفط ينظرون بكل جدية إلى مدى تأثيره علي سعر النفط، كما إن التطوّرات في تكنولوجيا النفط والغاز الصخري قد جعلت عملية استخراج هذه الموارد ممكنة ولكن بتكلفة مازالت من الأعلى بين أنواع النفط المختلفة، فالزيت «الصخري» لا يمكنه منافسة البترول الخام التقليدي، فتكلفة استخراج البترول التقليدي أقل بكثير من تكلفة الزيت الصخري وأقل ضررا على البيئة.
وبينت الدراسة بأن المملكة تتمتع بأدنى تكلفة في استخراج النفط في العالم، ويعود الفضل في تدني التكلفة إلى سهولة استخراج مواردها وذلك بسبب قربها من سطح الأرض، وأيضاً إلى حجم هذه الموارد التي تمكّن السعودية من الإنتاج بأحجام كبيرة وتقليص تكاليفها في الاستثمار في البنية التحتية بما يعرف باقتصاديات الحجم. أما الدول الأخرى المنتجة للنفط مثل الصين فتلعب دوراً صغيراً في ساحة الطاقة العالمية بسبب إمكانياتها المحدودة في تصدير الطاقة.
و تعد عملية استخراج النفط عن طريق التفتيت الصخري مثيرة للجدل من الناحية البيئية، نظراً لأن الصخر الزيتي الذي يحمل البترول على عمق كبير تحت الأرض، يتم الوصول اليه عبر الحفر ومن ثم أفقيا، ثم يستخدم مزيج من الكيماويات والأملاح والماء لدفعِ البترول إلى السطح بعد سلسلة من الانفجارات الصغيرة التي تفتت الصخر الزيتي، وقد تؤدي هذه العملية إلى تلوث المياه الجوفية والتربة، بالإضافة إلى إشكالية التخلص من المياه الملوثة والكيماويات الناتجة عن الحفر.
واخيراً هناك آراء كثيرة من الخبراء تؤكد أن صناعة البترول الصخري ستبقى محصورة في الولايات المتحدة لعدم توافر شروطها الجيولوجية والقانونية في بلدان أخرى.
وحول السؤال الأهم الذي يستفسر عن مدى تأثير البترول الصخري على الصادرات السعودية للنفط، ومدى تأثير ذلك على الاقتصاد السعودي تجيب الدراسة إلى أن هناك توقعات بزيادة الطلب على النفط خلال العقدين القادمين، كما تشير التوقعات إلي أن الولايات المتحدة الامريكية ستستغرق وقتاً كبيراً حتى يكون لديها القدرة على تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة بصفة عامةً. لذا فإن الطلب على صادرات الطاقة السعودية سيستمر في النمو. كما أن مستقبل الطلب على الطاقة سيفوق بنسبة كبيرة الكميات المتوافرة من أنواع النفط التقليدي وغير التقليدي، وأن الطلب على المدى المتوسط سيستمر على الأرجح مرتفعاً، لاسيما بفضل ارتفاع طلب الدول الآسيوية للطاقة.
ففي مضمار سباق الطاقة بين الصين ودول شرق آسيا من ناحية والولايات المتحدة من ناحية أخرى سيزيد طلب الصين ودول شرق آسيا على بترول الشرق الأوسط، وسينتقل النفط في السوق العالمية إلى مستوى آخر من التوازن، فالنمو السكاني في آسيا سيكون المحرك للطلب المستقبلي على النفط. وستكون السعودية وهي المصدر الرئيسي للطاقة الإنتاجية الفائضة في العالم واحدة من دول قليلة قادرة على إمداد الصين ودول اسيوية أخرى باحتياجاتهم من النفط.
كما أن التنافس الدولي على البترول الخليجي في المستقبل المنظور سيكون في مقدمة اهتمامات الولايات المتحدة، مما يدفعها للتمسك بعلاقات قوية ومميزة مع دول الخليج، كإحدى الاستراتيجيات الأمريكية لكبح جماح التفوق الاقتصادي الصيني.
وخلصت الدراسة إلى أن المملكة ستستمر في دورها الرئيسي في الحفاظ على الاستقرار العالمي على المديين القصير والمتوسط. أما على المدى الطويل، فتصبح الولايات المتحدة أكثر اعتماداً على مواردها، فيما سترى السعودية زيادة في الطلب من الاقتصادات الآسيوية.ئ