توفي اليوم الشيخ العلاّمة مفلح بن سليمان الداموك الرشيدي بالمدينة المنورة إثر غيبوبة عانا منها منذ سنة 2008م رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. وتمت الصلاة عليه عصر اليوم بالمسجد النبوي الشريف.
وهذه ترجمة موجزة للشيخ رحمه الله :
ترجمة موجزة للشيخ الألمعيّ مفلح الرشيدي.
هو مفلح بن سليمان بن فلاح بن عياد الرشيدي العبسي أبو كاتب المديني
ولد في العشر الأواخر من رمضان سنة 1365للهجرة في قرية الغزالة من قرى حائل.
كان أول اشتغاله بالعلم فقيراً ذا عيال فاستشفع بالشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ليلحقه بأحد المعاهد العلمية التي تمكنه من الاشتغال بالعلم مع إعالة أهله فكان له ذلك .
وكان قد ألقي في روعه دراسة الحديث النبوي فطلب من الشيخ غفر الله له جامع الأصول لابن الأثير فنهاه الشيخ عنه وأرشده إلى صحيح مسلم فكان بدؤه به ثم لم يزل مصاحباً له دهره كله حتى صار من أعلم من ترى عيناك بصحيح مسلم ورجاله وأسانيده،
أول ما عرفته أنه كان قد أهمني تدليس قتادة وكنت لا أزال أسمع برجل من أهل المدينة مشتغل بالحديث وله منظومة في ذكر المدلسين فطلبته في هاتفه وسألته عنه فوالله لكأنني قد فجرت بحراً وأيقنت أنني قد وقعت على كنز مخفي.
أخبرني أنه عرف نقد الحديث وشغف به لما درس كتاب الشيخ ربيع بين الإمامين وكان يقول عنه: أنه دراسة فذة ينبغي لطالب العلم العناية بها قال وما تعلمت الحديث إلا منها ثم من كتب الشيخ الألباني رحمه الله.
حمل العلم عن جماعة من علماء عصره وأكثر من سمعته يلهج بذكره منهم الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ مقبل الوادعي والشيخ حماد الأنصاري رحمهم الله،
وكان أكثر اشتغاله بالحديث ،ولقد رأيته فرأيت رجلا عارفاً بذلك الشأن فهما فيه متحققاً بأصوله ،يزاول حفظ الرجال أسماءهم وكناهم وأحوالهم وأوطانهم وشيوخهم ومن أخذ عنهم،علم قل في الناس طالبه دعك من عارفه والمتحقق به.
اعتنى عناية خاصة بحديث سفيان بن عيينة وخرج حديثه الذي رواه عنه سليمان بن حرب تخريجاً نفيساً جليلاً في ثلاث مجلدات.
كان شغفه بالعلم شديداً تراه يطرب للفائدة طرب من ضربت عنده القيان بالعيدان
ومن لطيف خبره في ذلك أنه لما طبع تخريج الشيخ الألباني الكبير لسنن أبي داود اتصل به رجل من الكويت ـ وفيها طبع الكتاب يقول له: نسختك عندي تصلك بعد شهر، فلم يستطع الشيخ أن يصبر الى ذلك الوقت فاشترى الكتاب على غلاء ثمنه وقال لي: والله لقد فرحت به أكثر من فرح من زفت اليه عروسه،ثم لما وردت نسخته وهبها لغيره ،
ولقد شهدته يوما واستأذنه رجل في أن يستعير منه المجلد الأول من الكتاب فاعتذر اليه وقال: لا أصبر على فراقه،
ومن قصته مع هذا الكتاب :
أنه كان قد اشتغل بتخريج حديث عائشة في الوضوء من القبلة فقرأ في بعض كتب الشيخ قوله: وقد خرجته في صحيح سنن أبي داود من ستةِ طرق، فاتصل بالشيخ وطلبها منه فقال له الشيخ: اعطني ما عندك أعطك ما عندي، فقال أبو كاتب: إذن و الله يغنيني الدارقطني يعني أنه قد استوعب طرق الحديث في سننه قال: فلما طبع الكتاب وجدته ما زاد على ما عندي شيئا.
والشيخ مع هذا ضرير البصر، كان يقول: والله ما فاتني بسبب ضرري من متاع الدنيا شيئ غير كتابة العلم وقيادة السيارة، يعني حتى لا يحتاج في قضاء حوائجه الى سائق أو مرافق، فأما كتابة العلم فقد أخلف الله لي ولدي كاتباً وكان قد سماه كذلك تفاؤلاً بأن يشب ويصير كاتبه وأما قيادة السيارة فقد بقيت حسرتها في القلب
وأما أعماله العلمية :
1- فقد تقدم أن له تخريجاً لحديث سفيان بن عيينة وقد طبع قريبا في ثلاث مجلدات،
2- وأن له نظما في المدلسين نظم فيه الثقات منهم يقع في ثمانين بيتاً ضمنه فوائد جمة وتحقيقات مهمة وبعضها من استقراءاته وسماه “ريحانة الجليس في نظم الثقات الموصوفين بالتدليس” يقول في مطلعه:
قال الرشيدي الفقير مفلح… الحمد لله به أفتح
ما رمت من نظم وصلى الله …على الذي من خلقه اصطفاه
3 – وله أيضا تخريج مستفيض لأحاديث الوضوء من القبلة طبع قديماً بعنوان ” توضيح المخبوء فيما ورد في القبلة بعد الوضوء” ثم أنه بسطه وزاد فيه وحول اسمه الى” الفصل والتفصيل فيما جاء في اللمس والتقبيل”
4 – ” فتح الرزاق في الذب عن حديث ابن عباس في جمع الطلاق” يجيء في مجلد كبير وأصله مقال نشر في مجلة منابر الهدى بالجزائر
5- “جنى الجنتين فيما يقوله ويفعله المصلي بين السجدتين” بحث فيه أربعة مسائل متعلقة بهذا الركن، في أشياء أخر لم يكمل أكثرها .
والشيخ كان قد قدم المدينة في غرّة رمضان سنة 1390 فاستوطنها إماما في أحد مساجدها وباحثاً ومفيداً ومستفيداً
كتبه : خالد حمودة ملتقى أهل الحديث