دعا ماليون واقتصاديون إلى تفعيل دور «التحريات المالية والرقابة» للهيئات والشركات، وشددوا على ضرورة إنشاء هيئة لمكافحة جرائم الاحتيال لضمان النزاهة أولاً، ولحماية المملكة من أي قضايا دولية مرتبطة بمخالفات مالية غير محسوبة لأفراد أو مؤسسات، وتساءلوا عن غياب أدوات الرقابة المحلية، وأشاروا إلى أن اتهامات الرشاوى وغسل الأموال أصبحت تجارة تدر على بعض الدول وغيرها أموالاً ضخمة من خلال التسوية خارج المحاكم أو الغرامات الضخمة التي تفرضها على الآخرين.
وأكد الاقتصادي فضل البوعينين أنه يلحق بعملية إصدار تراخيص الاستثمار السيادية والأعمال المصرفية بعض الاتهامات في دول العالم كافة؛ فتقاطع المصالح، وصعوبة الحصول على التصاريح، يؤديان في بعض الأحيان إلى تحقيق مصالح شخصية، قد تتعارض مع الأنظمة والقوانين. مضيفاً بأن المؤسسات والهيئات الرسمية ليست منزهة من حدوث المخالفات المالية فيها «ونشهد بين الفينة والأخرى فضائح مالية في أعرق الهيئات والتنظيمات الدولية في أمريكا وأوروبا، بالرغم من خضوعها لرقابة صارمة ومحاسبة دقيقة، ومن غير المستغرب أن يحدث هذا في السوق السعودية فيما لو ثبت وهو ما يزال مجرد أحاديث غير موثقة». وتعجب البوعينين من سرعة النفي من الهيئات والوزارات والشركات لدينا قبل التحقيق والتأكد، موضحاً أن الاتهام قد يصدر بسبب موظف بسيط أساء استخدام صلاحياته، أو أخطأ في تقدير بعض الإجراءات المتبعة بما يثير الشبهات، أو تلقي أموال مُعلنة داخلياً إلا أنها تعارض قوانين النزاهة الأمريكية. ويرى أن هذه النقطة بالذات هي الأكثر شيوعاً في الدول العربية؛ فالثقافة القانونية ومعايير النزاهة العالمية قد تتسبب في كثير من المشكلات للمؤسسات الحكومية في الخليج.
وقال البوعينين، في إشارة إلى «حادثة بنك باركليز»، إن السلطات الأمريكية أكثر معرفة بالقانون؛ لذا لن تستعجل إعلان بدء التحقيقات دون أن تمتلك الحقائق الأولية التي ترجح الاتهام، معتبراً أن أسلوب السلطات الأمريكية يبدأ بالاتهام بقصد إجراء تسويات مسبقة وإلا تحركت لخطوات أكثر تعقيداً؛ فاتهامات الرشاوى وغسل الأموال – بحسب قوله – أصبحت تجارة تدر على بعض السلطات المالية في العالم أموالاً ضخمة من خلال التسوية خارج المحاكم، أو الغرامات الضخمة التي تفرضها على الآخرين. وذهب إلى أن السلطات الأمريكية باتت تركز في الآونة الأخيرة على السوق السعودية، بعد أن جنت كثيراً من الغرامات المالية من أوروبا ودول آسيوية أخرى، وهي إن فعلت ستكبد بعض مؤسساتنا وشركاتنا غرامات ضخمة. وشدَّد على أننا في أمسّ الحاجة إلى تفعيل دور «التحريات المالية والرقابة» للهيئات وشركات القطاع الخاص والشركات الحكومية، وإنشاء هيئة لمكافحة جرائم الاحتيال لضمان النزاهة أولاً، ولحماية المملكة من أي قضايا دولية مرتبطة بمخالفات مالية غير محسوبة لأفراد أو مجموعات. وأفاد البوعينين بأن الهيئات لدينا، ومنها هيئة سوق المال، بحاجة إلى مراقبة دقيقة ومتابعة لكل ما يحدث فيها من جهات مستقلة لتحقيق أعلى معايير النزاهة وضمان جودة العمل. مضيفاً بأن المراقبة لا تعني التشكيك في الذمم، ولكن تعني تحقيق أسس الرقابة العالمية ومتطلبات الحماية والنزاهة.
من جانبه، قال المحلل المالي محمد العمران: إن الأنظمة والآلية الخاصة بدخول مصارف أو مؤسسات مالية أجنبية في المملكة تتركز أولاً في حصول هذه المصارف أو المؤسسات على ترخيص من هيئة الاستثمار، ومن ثم الحصول على ترخيص، وهذا لا يتم إلا بعد استيفاء الشروط والضوابط الخاصة بمنح التراخيص.
وعن آليات وبرامج الرقابة أضاف العمران: تقوم الهيئة وساما بوضع ضوابط وآليات للرقابة السابقة والرقابة اللاحقة للتأكد من عدم وجود ثغرات أو تجاوزات؛ وبالتالي ضمان وجود ممارسات نظامية للعمل المصرفي والاستثماري والتأميني داخل المملكة. وأشار العمران إلى أن مجرد الكشف عن بعض التجاوزات التي قد تكون حدثت داخل سوق المال من قِبل جهات خارجية (مثل أنظمة قضائية أمريكية أو وسائل إعلان غربية) أمرٌ مؤسف، وكان من المفترض كشفه داخل المملكة أولاً لوجود آليات رقابة صارمة داخل الأجهزة الحكومية العاملة في المملكة، تمنع وقوع المخالفات قبل حدوثها (هذه إذا افترضنا حدوث هذه التجاوزات فعلاً؛ لأن الأمر لم يثبت حتى الآن بشكل قاطع)، لكن التصريح الرسمي الأخير الصادر من قِبل باركليز يعطي شعوراً بأنه لا توجد أي تجاوزات تتعارض مع أنظمة المملكة وأنظمة ولوائح سوق المال، وهذا بالتأكيد إيجابي، لكن يجب حسم هذا الموضوع نهائياً من خلال انتظار انتهاء تحقيقات وزارة العدل الأمريكية وباركليز حتى تكون الصورة واضحة تماماً.
وبدوره، شكك المتحدث الرسمي لهيئة سوق المال عبدالله القحطاني حول دقة الآراء الاقتصادية المتعلقة بتركيز سلطات مالية خارجية على السوق السعودية من أجل جني الغرامات المالية، مشيراً إلى أن تلك الآراء غير مبنية على معلومات رسمية.
يذكر أن رئيس هيئة السوق المالية الدكتور عبد الرحمن التويجري قد تحدث في وقت سابق قائلاً: إن إستراتيجية الهيئة لا تزال هي فتح السوق أمام المستثمرين الأجانب، ولكن «بشكل منظم وتدريجي» لضمان سلامة السوق. وأضاف التويجري: الهيئة تحتاج إلى الوقت الكافي لضمان عدم حدوث أي تأثير سلبي لتلك الخطوة على سوق الأسهم.
«باركليز السعودية»: لم ندفع لمسؤول مقابل الرخصة
وكانت شركة باركليز العربية السعودية «مساهمة مقفلة» قد نفت قيامها بدفع أي مدفوعات غير قانونية إلى هيئة سوق المال أو أي من موظفيها فيما يتعلق بمنح الرخصة التنظيمية للشركة في المملكة. يُذكر أن باركليز العربية السعودية شركة مساهمة مقفلة مرخصة من هيئة سوق المال برقم ترخيص 09141-37، وتخضع لتنظيمها.