في البداية لابد من القول إنَّ التنمية كمفهوم لم يوضع أساساً إلا ليتجاوب مع حاجات السكان في أيّ بلد فكيف إذا كان هذا البلد يعاني من الانفجار الاستهلاكي. إنَّ الانفجار الاستهلاكي يرتبط بعدة عوامل مؤثرة، منها:
1ـ الانفجار السكاني، إذ أنَّ في زيادة الأفواه التي ينبغي أن نغذيها والأجساد التي ينبغي أن نكسوها والخدمات التي ينبغي على الدولة أن تقدمها، من رفع درجة الاستهلاك وزيادة مستوياته.
2ـ الدعاية والإعلانات التجارية، وانتشار الأسواق الكبرى والمحلات التجارية التي تجذب الناس. فلا يخرج منها الإنسان إلا وقد اشترى بالإضافة إلى ما يحتاجه كماليات وأغراضاً أخرى قد لا يكون بحاجة إليها.
3ـ التسهيلات المصرفية، لشراء المواد الاستهلاكية،وتقسيط المشتريات، والسفر والسياحة .
ولا نضيف جديداً حين نقرِّر أنَّ الحياة في المجتمع المدني الحديث صارت أكثر تعقيداً وتداخلاً من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية. فقد اتسمت العقود الأخيرة من القرن الماضي وبداية هذا القرن بتطورات تنموية سريعة ومتعددة شملت جوانب الحياة المختلفة وكان لها الأثر البارز على الحياة اليومية للأفراد والمجتمعات.
بَيْدَ أنَّ هذه التطورات أفرزت بعض الآثار السلبية التي مسّت حياة وسلوك الطفل والمرأة والأسرة، من مثل: عادات الاستهلاك المتزايد لدى الأفراد، وظواهر استهلاكية غير رشيدة، حمّى الشراء، هوس التسوق، إدمان الاستهلاك ، الولع بالسفر والسياحة في الداخل أو الخارج .
وأحسب أنَّ تداعيات متطلبات الإجازات وموسم رمضان والأعياد ثم الاستعداد للدراسة ومستلزماتها الأساسية وكذا احتياجات الأسرة الدورية تشكل ضغطاً اجتماعياً واقتصادياً على ميزانية الأسرة، مما يستدعي ضرورة مواجهة أعباء الحياة الناتجة من زيادة أسعار السلع المختلفة والخدمات، وذلك بالانتفاع الرشيد من الموارد المتاحة، بطريقة سليمة معتدلة.
حقائق
1 ــ الأسر السعودية وخاصة متوسطة الدخل، تواجه خلال الشهور الثلاثة الأخيرة (شعبان، رمضان، شوال) ارتفاعا في تكلفة المعيشة، مع تزامن هذه الفترة مع إجازة الصيف، وشهر رمضان، وعيد الفطر ، وموسم العودة للمدارس . إن تزامن أربع مواسم في وقت واحد ، تتسبب في زيادة معدلات إنفاق الأسرة السعودية، وتشكل إرهاقاً في موازنتها.
2 ـــ إن متوسط الإنفاق لكل شهر من الشهور الثلاثة يزيد على متوسط دخل الأسر السعودية، وهو ما يضطرها للجوء للاقتراض لتغطية العجز في المصروفات وتلبية الاحتياجات. ولذا فقد اعتبر خبراء اقتصاديون أن النصف الثاني من السنة الهجرية يعتبر موسم استنزاف لموازنة الأسرة، إذ يتطلب إنفاقاً فوق المعتاد، ويمثل ضغطاً على مداخيلها. ثم إن كثيرا من المشكلات المالية التي تتعرض لها الأسر ناتج عن سوء تخطيط في الصرف المالي مع عدم تجاهل ارتفاع مستوى المعيشة .
3 ـــ إن ظاهرة الشراء المكثف للسلع الاستهلاكية تعتبر أمرًا طبيعيًا خلال شهر رمضان المبارك في جميع دول العالم الإسلامي عامة وفي المملكة خصوصًا، «إلا أننا نجد أن هناك توجهاَ محموماَ ومسعوراَ نحو شراء السلع المتنوعة لاسيما الاستهلاكية»، ولذا قدر بعض الخبراء حجم الإنفاق على المأكل والمشرب خلال شهر رمضان بما يربو على المليار ريال.
4 ـــ إن مصروفات شهر رمضان أو موسم العيد بصورة عامة تعادل إنفاق ثلاثة أشهر تقريبًا, كما أن قدوم شهر رمضان أو موسم العيد ينتج عنه اندفاع شرائي غير مسبوق الأمر الذي يخلق ضغوطًا على منافذ البيع .
5 ـــ لقد تحول التقسيط والاستدانة من حل لمشكلة الحصول على منزل أو سيارة أو علاج أو زواج أو تذكرة سفر إلى دهاليز الترف وحب التباهي والتفاخر، فكانت النتيجة مطالبات قضائية وإفلاس وديون متراكمة.
أرقام وإحصاءات
1 ــ قدر اقتصاديون إنفاق الأسر السعودية خلال فترة أسبوع واحد يمتد من آخر ثلاثة أيام من شهر رمضان بنحو 13 مليار ريال، 90 في المائة منها تنفق على الكماليات، وتوقعوا أن حجم الإنفاق داخل المدن الترفيهية في جدة فقط خلال أيام العيد بنحو 160 مليون ريال، مبينين أن متوسط ما ينفقه الفرد في المدن الترفيهية يصل إلى نحو 80 ريالا خلال أيام العيد، و40 ريالا في إجازة الأسبوع.
2 ــ إن نحو 30 في المائة من راتب نهاية شهر رمضان ستكون موجهة لشراء ملابس العيد، وإن نحو 25 - 30 في المائة منه أيضاً ستكون موجهة لمصلحة شراء الملابس الخاصة بالعودة إلى المدارس والأغراض الأخرى كأدوات القرطاسية وما شابهها .
3 ــ ومن خلال أحدث دراسة أجريت في السعودية حول السياحة، تبين أن هناك 74% يخططون للسفر أثناء فترة الصيف سواء داخل السعودية أو خارجها، في مقابل 25.8% يفضلون عدم السفر ،. وتوضح الدراسة أنه فيما يتعلق بحجم إنفاق الأسر السعودية التي قررت السفر فقد ظهر أن 52% قرروا إنفاق مبالغ لا تقل عن عشرة آلاف ريال شهرياً للسياحة الداخلية .
4 ـــ ومن المتوقع أن يبلغ حجم إنفاق الأسر السعودية على السياحة في الخارج خلال فترة إجازة الصيف حوالي (سبعة مليارات ريال سعودي) بزيادة تقدر بـ (28%) عن العام الماضي .
5 ـــ إن السائح السعودي ينفق أكثر من 60 % مما ينفقه السائح الغربي، وسبب ذلك قلة الوعي السياحي وبذخ الإنفاق، وضعف معلومات السائح السعودي عن البلد الذي يرتاده حتى يستطيع المفاضلة بين الأسعار في مختلف البلدان، ثم إن ما يصرفه السائح السعودي خلال الإجازة يعادل ميزانية بعض الجامعات السعودية .
6 ـــ في دراسة علمية أجريت على سلوك المستهلك السعودي تبين أن 40 ـ 60% من دخل الأسرة ينفق على الغذاء، و15ـ 20% على الكساء، ومثلها على الترفيه والعلاج والسياحة و5 ـ 10% على التأثيث ومثلها على الأجهزة الكهربائية، و5 ـ 15% على التعليم ومثلها على المسكن، ومثلها كمدخرات.
7 ـــ بلغة الإحصاءات والأرقام فإنه في أحد الأعوام قدّر نصيب شهر رمضان من جملة الاستهلاك السنوي في إحدى الدول العربية بما نسبته 20%، أي أن هذه الدولة تستهلك في شهر واحد وهو شهر رمضان، خمس استهلاكها السنوي كله، بينما تستهلك في الأشهر المتبقية الأربعة أخماس الباقية، وقد كلف رمضان في ذلك العام الخزانة حوالي 720 مليون دولار.
8 ـــ تؤكد عدد من دوائر البحث أنَّ معدل التضخم في السعودية سجَّل أعلى المستويات خلال 25 عاماً، إذ وصل إلى 9%. فوتيرة الارتفاع في الأسعار الاستهلاكي وصلت في أغلبها إلى ضعف ما وصلت إليه خلال العام الماضي.
معالجات ومقترحات
وهنا يمكن أن نتساءل كيف نستطيع معالجة ذلك وما الحلول الناجعة التي يمكن اقتراحها؟!.
نقول بإيجاز، أنه يمكننا عمل الآتي:
أولاً: لابد على الجهات الرسمية ذات الاختصاص أن تدرس العوامل والمتغيرات التي تؤثر في سلوك المستهلك السعودي وكذلك التعرف على ظروف الطلب الاستهلاكي والعوامل المؤثرة فيه والفئات القائمة بعملية الشراء.
ثانياً: لابد من أن تتضافر جهود الجهات المختلفة وخاصة المعنية بالرقابة والتفتيش والقياس والمواصفات لمعالجة أيّ إشكالية قد تظهر في المجتمع.
ثالثاً: إنّ التوعية والتخطيط السليم يسهمان من خلال دوائر الإعلام والتوجيه في الحد من ظاهرة الانفجار الاستهلاكي والارتفاع غير المبرّر للأسعار وظاهرة السياحة غير الرشيدة .
رابعاً: على التجار ورجال الأعمال القيام بواجبهم نحو وطنهم وعدم استغلال حاجة الناس دون استنزاف لموارد المواطنين المالية وتوفير المتطلبات الأساسية بأسعار معقولة مقبولة.
خاتمة
لاشك أنَّ الأسرة التي تهتم بتخطيط أسلوب حياتها وترشيد نفقاتها ومصروفاتها، سوف تحقِّق أهدافها وتبلغ ما تصبو إليه من رغبات.
وأهم مظهر اجتماعي اقتصادي يتمثل في وضع ميزانية للدخل المالي للأسرة وتحديد طريقة التصرف في هذا الدخل على الوجه المعتدل دون تبذير أو إسراف، بإعطاء كل بند من بنود الإنفاق حقه المناسب.
ولذا، ينبغي التخلص من القيم الاستهلاكية السيئة الضارة؛ كذا ينبغي أن نكبح انفعالاتنا العاطفية المتعلقة بالكميات المطلوب شراؤها واستهلاكها، سواء على مستوى الأطفال أو الأسرة, ومن الضروري أن تقوم وسائل الإعلام بدور مهم في مجال تنمية الوعي الاقتصادي والاجتماعي لدى أفراد المجتمع.
[COLOR=#FF0036]
أ . د زيد بن محمد الرماني[/COLOR]
ــــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : [email]zrommany3@gmail.com[/email]