[B]
أعرف أننا نعيش هذه الأيام أوضاع مزرية ففي سوريا مجازر وفي بورما مجازر وفي الأحواز مجازر
أصبح دم المسلمين رخيصا جدا وأستغرب الصمت القاتل للدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص
اللهم انصر إخواننا في سوريا وبورما والأحواز يارب العالمين.
وفي ظل هذه الظروف البائسة الحزينة لابد للإنسان أن ينفس عن هذه الهموم ولو بالكتابة عن موضوع معين
كي ترسم الابتسامة على الوجوه وهي صدقة قالها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( ابتسامتك في وجه أخيك صدقة )).
ربما عنوان مقالي غريبا ولا يصدقه عقل بل إنني نفسي أنا لم أصدق عنوان مقالي.
قبل البدء بالمقال لابد أن نتعرف على ضيفي الجديد العزيز جحا والذي اختلف فيه الرواة وتضاربت
حوله الآراء فمنهم من قال إنه ولد سنة 60هـ واسمه أبو غصن دجين اليربوعي ومنهم من قال إنه ولد سنة 605هـ
واسمه نصر الدين خوجة وقد كثر اسم جحا في التاريخ فأصبح كل شخص له نوادر وطرف ومواقف مضحكة
سموه جحا وأعتقد أنه في كل بلد جحا.
ضيفي الذي زارني هو أبو الغصن دجين اليربوعي ذلك الرجل الفكاهي والذي لاتمل حكاياته ونوادره حيث
أنه أسعدني بزيارته لي في بقعاء حينما كان متجها إلى البصرة وقد كنت في طريقه إليها فلم تطاوعه
نفسه أن يتعدى صديقه خالد دون الإقامة عندي ثلاثة أيام وهي المدة التي حددها رسولنا صلى الله عليه وسلم
لاستضافة الضيف.
جاءني جحا أبو الغصن يمتطي صهوة حمار أبيض هزيل يحمل على جوانبه زاده الذي يوصله إلى البصرة لم يصدق جحا
حينما شاهد الأنوار في الشوارع وخاصة أنه دخل من المدخل الغربي من جهة مدينة حائل كان تائها
لايعلم أين هو ولايوجد معه وسيلة اتصال سوى عصا قديم يضرب به حماره إن عصى وتوقف فيضربه ليمشي نظر إلي يمينه
فإذا بمبنى بلدية بقعاء ولم يصدق أنه في الدنيا واعتقد أن مجسم الشلال صنم فلقد تغيرت الحياة عما كانت عليه
في عصره سنة 60 للهجرة.
قام جحا قبل الوصول لي بالتخفي حيث اختفى لمدة يوم خوفا من السيارات فلا يدري كيف يعبر الطريق وأخذ
يرتجف خوفا وهلعا منها.
حينما تأخر وصول جحا لي في بقعاء والذي توقعت أن يصل لي بالوقت الذي حدده لي رسول جحا حينما أعطاني
التاريخ المتوقع لوصول جحا ارتابني الخوف على صديقي أبو الغصن جحا وقمت بامتطاء صهوة سيارتي لأبحث عنه
وبعد لف ودوران وجدت بالقرب من شقق المملكة وبالتحديد في تلك الصفاة التي خلفها وجدت جحا نائم وحماره
يرعى ويأكل بشراهة (( قواطي الببسي )) وبعض من قراطيس الأسمنت المتناثرة هناك.
اقتربت من جحا وأيقظته وفزع : (( من ؟ من؟ من ؟ ))
قلت : لاتفزع ياجحا أنا صديقك اللدود خالد.
ضحك مستبشرا وعانقني وبكى : أهلا بأخي وحبيبي وقرة عيني خالد يا أخي مالذي يحدث عندكم حياة ولأول مرة
أشاهدها وأبهرتني هذه الأنوار وتلك المخلوقات التي تسير بسرعة - يقصد السيارات .
قلت: قم يا أبا الغصن رحمك الله قم معي لبيتي وتعال واركب.
حينما وقف وأخذ يحك عينيه براحة يديه ويفتح ويغمض قال : أأركب هذا المخلوق العجيب.؟!
قلت: جحا بلا استهبال تعال بسرعة اركب الله يرحم أما وأبا عقوبك.
قال : أعطني فرصة لأستوعب.
قلت : لاحول ياجحا يا أبا الغصن تعال واركب لاتخف وخذ عمامتك هذه وحذاءك الغريب بسرعة فالأكل قد برد.
قال : هيا هيا .
وركب معي بعد أن أدخل خماط حماره إلى غمارة السيارة وأخذنا نقود الحمار أنا وجحا والشباب حولنا يتفتفون
في سياراتهم وجحا مغلق أذنيه بأصابعه ويردد : يا إلهي ماهذا الإزعاج .
وصادف أن التقينا بطريقنا دبابات البانشي يقودها بعض الشباب وكانت أصواتها مزعجة بالإضافة إلى أصوات دبات السيارات
والتي تصدر ضجيجا قويا في هذه الحالة جحا أخذ يصرخ:
خالد رحم الله والديك ماهذا الإزعاج أريد حماري أريد أن أذهب للبصرة.
فقلت : ياأبا الغصن تريث فقد اقتربنا إلى البيت.
كان جحا منبهرا مهتالا ينظر يمينا ويسارا للمباني والسيارات قلت:
ياجحا لم تشاهد العجب في الرياض هناك المملكة والفيصلية وأدهى منها طوكيو في اليابان.
قال: عن ماذا تتحدث يا أبالبشائر؟!!
قلت : ياجحا هناك مباني ....وفي هذا الأثناء رن هاتفي النقال...وأخرجته من جيبي
وجحا ينظر باستغراب كان على الهاتف أحد الأصدقاء يستفسر عن الأعرابي الذي يركب معي فقد مر من أمامنا
وشاهده وبشفاوته المعهودة أخذ يستفسر بضحكات: من هو الأعرابي اللي إنت مركب والحمار الذي تقودون هههه هل هو
مسلسل أم ماذا..؟!!
غضبت وقلت : لا هذا صديقي أبا الغصن دجين اليربوعي المعروف بجحا.
فرد ببرود : لايكون جايبينه يشارك بأمسيات الشعر في العيد ههههه.
في هذا الأثناء أغلقت السماعة في وجه صديقي والتفت مبتسمنا لجحا :
هاه كيف حالك صديقي أبا الغصن .؟!
نظر باستغراب وقال : ماهي هذه الحديدة التي تتحدث من خلالها أهي جن أم أنس؟!
قلت : يا أبا الغصن ياجحا ياقرة عين أمك لو جاوبتك عن كل سؤال سأتعب في الحديث ولكن هي ثلاثة أيام إقامتك
وبعدها اتجه للبصرة حيث حياتك هناك.
سكت دون اقتناع بما قلته وفي هذا الأثناء أوقفت سيارتي فنزلت وقلت: انزل يا أبا الغصن.
نزلنا ودخلنا البيت وكنا وقت العصر كان جحا مبهور من كل شئ وكنت أتعمد أن لا أعطيه أي إجابة أو أي
استفسار .
أكرمت جحا وتناولنا القهوة والشاي وهو لا زال منبهر وأنا أتجاهله عندها صرخ جحا:
حماري حماري يا أبا البشائر حماري ياخالد لم أربطه عند باب بيتك.
قمت بفزع وقام بفزع أخذت أركض ويركض سألت الأفغاني الخباز القريب عند بيتنا :
هاه محمد ماشفت حمار مر من عندك..؟!
قال : لا مافيه شوف أنا همار...!
تركته وركضت وكان خلفي جحا يركض ويصيح حماري وأنا أقول له : أبا الغصن لاتصرخ لا تفشلنا إن هناك أناس
ينتقدون فعلنا اسكت ثكلتك خالة ابنت عمة جار أمك,
كان يصرخ إلى أن وصلنا مطعم الهنود وكان مزدحم كالعادة والفوضى عنده بتواجد كثير من الشباب الفاضين سألتهم:
ما شفتوا حمار..؟!!
قالوا وهم مستغربون : لا والله يا أبو البشائر ماشفنا شئ بس من هو اللي معك..؟!!
قلت: يا الله عن اذنكم بعدين أواجهكم...!!
كان جحا فاتحا لفمه لم يفهم مادار بيني وبينهم فهو لايجيد اللهجة البقعاوية المهم رجعنا أدرجنا
ولم نجد الحمار فقد ضاع الحمار بعد أن أنزل جحا منه أغراضه وزاده الذي فوق ظهره فأحس بالراحة وهرب .
بعد أن فقدنا الأمل في الحصول على الحمار اتجهنا لبيتي وقبل أن ندخل البيت وفي الشارع أجهش جحا بالبكاء وسجد سجود شكر وأخذ يبكي ويبكي ويحمد الله ويشكره بصوت منخفض وبهمهمات لا أفهمها.
بعد أن انتهى قلت : مابالك ياجحا تبكي وتسجد سجود شكر وتحمد الله وحمارك ضائع..؟!
قال : الحمد لله أنني لم أكن فوق ظهره وإلا ضاع وضعت معه.
ضحكت لغبائه وبما أنه ضيفي قلت هيا لندخل البيت ونأكل ما كتبه الله لنا من طعام .
هذا أول يوم جاءني فيه جحا وفي اليوم التالي قررت أن أذهب أنا وجحا لقاع الملح فهو مكان بارد وجميل
ولطيف اتصل علي صديقي وقال : عشاكم علي إنت وجحا .
قلت : تم بس لاتكلف على نفسك.
سبقنا صديقي للقاع ونزل العزبة والفرشة والأغراض وجئته أنا وجحا وجلسنا وتعشينا وسمرنا في ذلك الأثناء
جاء اتصال لصديقنا وكان الاتصال ضروري فقد كان والده مريضا ويريد المستشفى عندها قال:
بعد أذنكم خالد العزبة والفرشة معك بكرا أخذهن منك.
قلت : أزهلهن.
ونحن نتحدث كان جحا (( فاتحن أفمه لا يدري ماذا نقول ))
المهم تعشيت أنا وجحا وعندما أردنا الذهاب إلى المنزل أخرج جحا من جيبه مسمارا وقام بتثبيته وطرقه
في القاع قلت : مهلا مهلا أبا الغصن ماذا تفعل..؟!
قال : أريد أن أثبت مسماري هنا عندكم في القاع لأزوره كل سنة وكل يوم أتطمن فيها على مسماري..!!
قلت : ياجحا أتريد أن تطبق المثل القائل (( مسمار جحا )) أنزعه كي لا يفجر كفر سيارة أحدهم.
قال : سألتك بالله اتركه فلقد أعجبني قاع الملح لايوجد به حشرات ولا ثعابين.
قلت : هيا بنا ياجحا.
حينما أقبلنا على بقعاء انطفأت الأنوار وأظلم المكان قال جحا باستغراب :
مالذي يحدث أهي القيامة..؟!
قلت: لا شركة الكهرباء قامت بإطفاء الكهرب لتخفيف الأحمال على العمة حائل هذا بغض النظر ياجحا عن
شهر رمضان ففيه تزداد الشركة في فصل التيار ونصبح كأننا نعيش معكم سنة 60هـ ألا تعلم أن ألمانيا
احتفلت أمس بانتهاء ثلاثين عاما لم ينطفئ خلالها الكهرب على مدار تلك السنوات.
قال جحا باستغراب : شركة كهرباء , انفصال , تيار , المانيا ماذا تقصد..؟!!
قلت : جحا تلايص رحمك الله..؟!!
قال: ماذا ؟!
قلت : ألم يحن وقت نومك صديقي...؟!!
قال وهو يهز رأسه : بلى...
قمت بإنزال عزبة صديقي نزلت أنا وجحا فرشت له في مجلس الرجال نام وذهبت أنا لغرفتي لأنام في الصباح الباكر طرق صديقي الباب
يريد أن يأخذ عزبته وفجأة فتح جحا الباب فقد كنت أنا تعبان وأغط في نوم عميق فتح جحا الباب وإذا بصديقي يسأل : أين العزبة..؟!!
فهم جحا عليه بعد أن أتعب صديقي بالوصف دخل جحا للبيت وقام بسرعة وربشة بأخذ قدر صغير من أغراضه التي كانت معه حينما قدم لبقعاء المهم أخذ القدر الصغير جدا ووضعه في العزبة وخرج ضاحكا مستبشرا لصديقي ويصرخ :
مبروك مبروك ..!!
استغرب صديقي تبريك جحا له قال: لماذا تبارك لي ياجحا..؟!!
قال : لقد ولد قدرك قدرا صغيرا يشبهك ماشاء الله مبروك مبروك..!!
استغرب صديقنا وأخذ العزبة وقد زادت قدرا صغيرا وقال: الله يبارك فيك..!!
بعد أن استيقظت وجدت مكالمة فائتة لصديقي اتصلت عليه شرح لي ما حدث مع جحا ضحكت وضحك وسألني بالله أن
يعشينا الليلة بنفس المكان بالقاع فقد أعجبه جحا ونوادره التي حكاها لنا.
في الليلة الثالثة لإقامة جحا اتجهت أنا وهو وصديقي للقاع نفس ماحدث ليلة البارحة اتصال اضطر به صديقي
أن يذهب للبيت لأن والده تعبان وبقيت أنا وجحا ومسماره في القاع وحينما انتهينا من السهرة أخذت عزبة صديقي
وفرشته واتجهت أنا وجحا للبيت وهذه المرة لم تطفئ الأنوار.
نام جحا في مجلس الرجال ونمت أنا عنده هذه المرة وكان نوم جحا خفيفا لدرجة أنه يستيقظ في كل مرة يتفتف فيها
أحد الشباب بسيارته أو يستقظ على صوت الدباب البانشي والذي يمر من عند باب بيتنا الواقع في شارع الخزان
والذي تكتظ به حركة الشباب وفوضاهم يقابله خمول وتسيب من الشرطة والمرور المهم جحا كل شوي ناز قلت:
اهجد هجد بلفك..؟!!
قال: ماذا..؟!!
قلت : نم ياملا الضرب..!!
قال : أشكرك..!!
في الصباح الباكر طرق صديقي الباب كنت أغط في نوم عميق استيقظ جحا وفتح الباب وإذا بصديقي يريد
عزبته دخل جحا في الداخل وأخرج قدر صديقنا الكبير من العزبة ووضعه في أغراضه وترك القدر الصغير وخرج إلى صديقي
يصرخ باكيا:
ياويلتاه ياويلتاه آآه ما أشد هذه المصيبة..!!
قال صديقي : وش السالفة ياجحا..؟!
قال جحا: ماذا..؟!
تدارك صديقي لهجته وتحدث بالفصحى: ما الموضوع ياجحا ماذا حدث.؟!!
قال جحا وهو يبكي ويصرخ ويولول : لقد مات قدرك لقد مات قدرك..؟!!
قضحك صديقي وقال : هههههه بلا مسخرة لا تكذب علينا كيف أصدق أن قدر يموت..؟!!
عندها سكت جحا وفتح عينيه النصابتين وقال: مثل ما صدقت أن القدر يلد قدرا صغيرا صدق أنه يموت والذي يلد يموت..!!
هز رأسه صديقي وأخذ عزبته والقدر الصغير.
دخل جحا إلى منزلي وهو يتبسم ابتسامة الخبث فقد حصل قدرا كبيرا غير قدره الصغير والذي أعطاه صديقنا .
في هذا الأثناء ركب صديقي سيارته وأخذ عزبته بدون قدره الذي مات على زعم جحا وهو في الطريق أرسل لي
رسالة نصية يقول فيها :
(( لاعاد عيني تشوف جحا الضربون نصب علي قدري آه بس والله لولا الحياء واحترامك كان دقيته عند باب بيتك ))
بعد هذا الموقف قلت لجحا صديقي : أما اشتقت لمواصلة سفرك لي ثلاثة أيام أحاول أحجز لك تذكرة طيران للبصرة وماحصلت مثلك عارف استهتار الخطوط السعودية بالسعوديين فما بالك بالبصريين المهم وبعد معاناة طويلة وتعب تأكد حجز جحا ولله الحمد.
حائل البصرة ذهاب بدون عودة.
أركبت جحا وعينيه تفيضان من الدمع متجها به إلى مطار حائل الإقليمي
في المطار بكى جحا بشدة وبكيت بدون شدة وتوادعنا وحرصني على مسماره الذي دقه في القاع فقلت : ازهله..!
قال : ماذا ..؟!!
قلت : إليييييه خلاص هو في الحفظ والصون..!!
ابتسم وربت على كتفي وقال : وداعا صديقي خالد وإذا وجدت حماري فهو لمزرعتكم وسلم لي على صديقنا صاحب القدر.
قلت : أهلا جحا برعاية الله..
صعد الطيارة وأقلعت به للبصرة ذهاب بدون إياب دون أن أعطيه رقم جوالي.
أتمنى أن تكونوا قد استمتعتم معي بزيارة صديقي جحا لي في بقعاء..!!
إذا أعجبكم السرد فسأكتب عن زيارة عنترة بن شداد لي والمتنبي وهبنقة والشلة كلهم هههه
[COLOR=undefined] الكاتب: خالد بن حمد العبيد
صحيفة أضواء حائل الإلكترونية[/COLOR][/B]