نحن -السعوديون- نختلف عن غيرنا في كل شيء، فالبعض منا، لديه طقوس غريبة أثناء هطول المطر، فغالبية شعوب الأرض، تلتزم بيوتها وأماكنها، وقت هطول الأمطار، إلا نحن، لدينا حالة أو خاصية مختلفة، فبعضنا لديه هوس، اسمه الخروج من المنزل في هذا الجو، والتجول بسيارته داخل المدينة وخارجها. ولا يتوقف الأمر على ذلك فقط، بل الشيء الغريب والخطير، هو السير في بطون الأودية، للاستكشاف، وكأننا نبحث عن كنز مفقود، أو كأننا ندخل في سباق مع السيل من يصل الأول إلى الوادي ــ وما أبرئ نفسي ــ فأنا مثل كثيرين في هذا الهوس وهذه (اللقافة). في هذا العام، وفي أحد الأيام الممطرة، خرجت بسيارتي (للتمشية) ومشاهدة الأمطار، وابتعدت كثيرا عن مدينتي ضباء، المطر كان يشتد مرة، ويخف أحيانا، ويتوقف أحيانا أخرى. صحيح أنني أسير على (الإسفلت) ولم أخرج عنه قيد أنملة. اللافت للنظر، هو هذا العدد الكبير من الناس، التي خرجت من المدينة للتنزه في هذا الجو الماطر، رتل من السيارات، السيارة خلف السيارة، وكأننا نسير في موكب، في طريقي شاهدت أكثر من حادث، ففي مثل هذا الجو تكثر حوادث السير، لكننا لا نتعظ. توقفت عند أحد الأودية وهي تسيل، وغالبية السيارات القادمة من جهتنا، أو من الجهة المعاكسة، تتوقف لمشاهدة السيل، حتى ازدحم المكان بالناس وبالسيارات، وكأننا في احتفال كبير. وإذا كان هذا الوقوف الذي سبب ازدحاما، أعترف أنه خطأ كبير، وقعت فيه أنا، كما وقع فيه غيري، إلا أن الخطأ بل الخطر الأكبر، والمؤسف والمزعج، هو ما لاحظته من انتشار واسع لسيارات الدفع الرباعي على امتداد مسافة طويلة من الوادي، من هواة حب المغامرة، وهي تجوب الوادي، وتسير على جانبيه أثناء جريانه، وقريبا جدا من السيل، عندها أشفقت على رجال الدفاع المدني، وأنا أشاهدهم يبذلون جهدا كبيرا، ووقتا طويلا، في إقناع هؤلاء المغامرين، عبر مكبرات الصوت بالابتعاد عن الوادي، موضحين لهم خطورة الوضع، وثنيهم عن هذا التصرف الخاطئ، الذي قد يعرضهم للموت، ويطلبون منهم بإلحاح شديد، الخروج من الوادي، والابتعاد عن مجرى السيل. نعلم أن رجال الدفاع المدني في مثل هذه الظروف والأجواء، هم في سباق مع الزمن، وما بذلوه مع هؤلاء المستهترين من وقت وجهد، كان بالإمكان توفيره، والاستفادة منه، في أماكن أخرى، ومع أناس آخرين هم في أمس الحاجة للمساعدة، فقد ينقذون فيه شخصا، أو عائلة محتجزة تواجه خطر الموت. هذا لو التزم كل منا بالتعليمات. مشكلتنا عندما نقود سيارة الدفع الرباعي يخيل لنا أننا نركب سيارة برمائية، نستطيع (لو شغلنا الدبل) أن نعبر بها السيل. وعندما تقع الفأس بالرأس نحمل نتيجة أخطائنا واستهتارنا للدفاع المدني. «ونادي بأعلى الصوت وينك يالدفاع المدني».
ونحن نعيش هذه الأيام أجواء هطول أمطار غزيرة وسيول في بعض مناطق المملكة، لا يسعني إلا أن أقف احتراما وتقديرا لرجال الدفاع المدني، الذين يزداد إعجاب المواطنين بهم يوما بعد يوم، لما يقومون به من جهود كبيرة، في إنقاذ كثيرين من السيول، معرضين أنفسهم لخطر الموت، ويضحون بأنفسهم لإنقاذ الآخرين، لاشك أن هذا العمل العظيم والمشرف، هو محل احترام وتقدير واعتزاز جميع المواطنين، ومحل احترام وتقدير قيادتنا الرشيدة، وليس أدل على ذلك من صدور أمر خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- بصرف راتب شهر لجميع رجال الدفاع المدني تقديرا لجهودهم، «يستاهلوا». فلهم منا جزيل الشكر على ما يقومون به، ونسأل الله العلي العظيم أن يعينهم ويوفقهم في عملهم، كما نسأله سبحانه وتعالى الرحمة والمغفرة لمن مات في هذه السيول، وأن يجعلهم في جنات الفردوس، ويلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان.
[COLOR=#FF004D]عبدالله حسن أبوهاشم[/COLOR]
[email]aha877@hotmail.com[/email]