قطرة قطرة.. وهوووب.. فجأة يبدأ جنون المطر.. ينهمر السيل الغزير في كل الشوارع والممرات والبيوت والأودية، في كل مرة يتكرر الفيلم ذاته، مع تغيير بعض مشاهد الغرق بحكم تغير المكان: سبق أن حدثت الفصول المؤلمة ذاتها في جدة ورابغ وجيزان، وها هي تحدث اليوم في الشمال والجنوب والوسط وفي كل مكان، في كل مرة يذهب ضحايا أبرياء ــ نسأل الله أن يكتب لهم الرحمة والمغفرة، وفي كل مرة يأخذ المهمل والمتقاعس ــ مسؤولا كان أو مقاولا ــ فرصة جديدة لمعالجة الخطأ الذي يعد هو سببا أساسيا لحدوثة!.. بالطبع سيتكرر الفيلم ذاته، والبركة في المؤلف والمخرج!.
**
قطرة قبل النوم: مليارات تنطحها مليارات خصصت للبنية التحتية في سائر أنحاء البلاد.. مشاريع وصور وتصريحات وخطط ودراسات ومؤتمرات ولجان.. أشياء ليس لها أول ولا آخر. وما إن يسقط المطر.. قطرة تتلوها قطرات.. حتى يجرف السيل ملفات المشاريع، وأشمغة وعقل المستشارين، وتصريحات المسؤولين، و(يقش معه) لوحات المقاولين وسيارات العابرين، ويختلط الداخلون بالخارجين، ويبقى السؤال المهم يلوح من خلف استغاثات الغرقى: أين ذهبت كل هذه المليارات!.
**
بعد أن تنشف الثياب من البلل، تبقى الحقيقة الجافة التي لا نريد مواجهتها، وهي أن أمانات المدن وبلدياتها ــ بهياكلها الحالية ــ أخذت فرصتها الكافية والطويلة والمكلفة في معالجة تصريف السيول، ولكنها فشلت فشلا ذريعا في أغلب المناطق التي داهمتها السيول، ولن تستطيع ــ ولو بعد ألف عام ــ أن تختار طريقا غير طريق الارتباك والحلول المؤقتة والمتأخرة. قبل سنوات كانت ثمة فرصة مهمة لتغيير هذا الواقع من خلال المجالس البلدية المنتخبة.. كان يمكن أن تكون هناك رقابة ومتابعة ومشاركة للمواطن في حل هذه المشكلة المستعصية التي لا يليق أن يعاني منها بلد غني مثل بلدنا، وإذا استمر الحال على ما هو عليه (من الأمانة للمقاول) دون حسيب فاعل أو رقيب قادر، فإن قطرات المطر الغزير سوف تجرف كل شيء.
**
المواقف البطولية التي أبداها عدد من المواطنين لإنقاذ من كانوا يواجهون خطر الغرق، وكذلك بطولات رجال الدفاع المدني، ليست غريبة أبدا من أبناء هذا البلد الكريم.. فهم أهل هذه المواقف منذ قديم الزمان، ولكن هذا لا يلغي أن الالتزام بتعليمات السلامة وتجنب مواقع الخطر هو من علامات تحضر الشعوب وفطنتها.
[COLOR=#FF005C]الكاتب : خلف الحربي [/COLOR]