من الطبيعي أن تتميز هذه الفترة بالهياج الفكري والاضطراب الثقافي نتيجة القلق السياسي في المنطقة العربية، وهذا الحديث لا تكفينا فيه صفحة من مقال، لأن القضية هي مسألة وجودنا من عدمه، وبالتالي لا شيء يشغل بالنا ويأخذ علينا جماع تفكيرنا وحياتنا أكثر من هذا الصراع الذي تخوضه الأمة العربية الآن.
في قاموس فكر الغرب وسياسته قاعدة مشهورة هي تجاهل أمر ما يعتقدون فيه خطرا ًعليهم فتكون النتيجة أنه يوأد في مهده ويقضى عليه قبل أن ُيعرَف دون ضجة ولا صخب يلفت الأنظار.. وقد طُبقت هذه القاعدة الرهيبة فيما يخص الفكر العربي وتراثه وحاضره حينا ًمن الدهر، فقُتلت كل فكرة عربية بالصمت ووئدت كل حركة ثقافية بالأسلوب ذاته، وأطفئت كل ومضة في وطننا الكبير بالتجاهل التام.
وفي حين تجد العالم مشغول بكل ما يطرأ في كل مناطق العالم ويتحدث عن حضارات قديمة عدة "كحضارة تكريت، حضارة الأنكا، حضارة المايا وحضارة الآزتـك"...تجد أن حضارة العرب والإسلام ذات شأن آخر، فالحديث هنا يظهر علينا فقط من بضعة مستشرقين بين الفينة والفينة ليكتبوا عن خلافات الفرق الإسلامية ويتحدثوا عن مظاهر التخلف فى عصور الانحطاط، ويشيروا إلى مواطن الضعف، ويحرفوا التاريخ عن مواضعه، ويشوشوا الأفكار ويطعنوا كل ماهو خير وحق وجميل في تراثنا.
واليوم تغير الموقف فتفجرت الأرض العربية بالثورة والثروة معاً، براكين الثورة تقذف لهبهـا في كل مكان، وأخذ الإنسان العربي يتحدث عن ذاته ويعود باحثاً عن تراثه مستلهماً لتحرير حاضره وتحقيق مستقبله، وهو يملك كل ما ييّسر له الانتفاضة من تحت ركام عقود الزمن الطويلة، وكله أمل بالوصول إلى ما يريد. انقلبت الموازين، واختلت المقاييس، وشعر الغرب أنه لم يعد القتل في صمت وبالصمت مجدياً.
اليوم الغرب معنيّ بأمر العرب، وحياة العرب وماضيهم ومستقبلهم، فالمصالح متشابكة ويجب أن تبقى خيوط اللعبة في أيديهم ويبقى العرب تحت ناظرهم وإدارتهم.....طبعا ًجاهدين بكل الوسائل.
اليوم تتبدل القاعدة ويصبح الصمت كلاما ً.. وهكذا كان !
يكثر الحديث عن العرب والإسلام ، وهذا قد يبدو جميلا ً لكنه للأسف ليس جميلا ً كله، فهناك واقع آخر فيه قتل بالكلام الفارغ وقلب الحقائق وتشويه التاريخ والتركيز على حدث يخدم ما يودون تكريسه في أذهان شعوبهم عن إرهاب العربي المسلم وتخلفه، ناهيك عن الدراسات التي تشكك في قدراتنا، أيضاً المؤتمرات التي تعقد لإغراقنا في دوامة أثر دوامة والإذاعات تأتي من كل مكان بأساليبها الجهنمية المتنوعة لتسلخ عن المواطن العربي ثقته بنفسه ووطنه وشعبه.
يبدو أن المجتمع الغربي وأذنابه في الوطن العربي يعملون على ترسيخ الكلام الفارغ كسلاح جديد، كلام غير مفيد، كلام يشغلنا عن مسيرتنا، يفرّق بيننا ويبعث الريبة فى صفوفنا ويعمّق خلافاتنا، كلام كثير جدا ًيأيتنا يحتاج إلى موقف...علينا النظر لأنفسنا كما ينظر الآخرين لرجالهم ومفكريهم.
كل الأمم تفخر بنوابغها وتشيد بذكراها...ماعدانا... فنحن مشغولون، مشغوفون، بتحطيم رجالنا وأفذاذنا، وتبين المعايب بيننا، وتنفير الجيل الجديد من الجيل القديم...هكذا نحن.
هذه الأمة لابد لها من اليقظة الكاملة لكي تنتصر.. ويجب ألا نخذع أكثر مما خدعنا ويكفي إيهام الأمة العربية بأن عدوها بالغ القوة والمنعة ويكفي تبرير مواقف الغرب العدائية تجاه أمتنا– على المستوى العسكري والاقتصادي والسياسي حيث يجد عملاؤه فى وطننا تكئة يستندون إليها فى الدفاع عن مصالحه وتخفيف رد الفعل العربي تجاهه .
كلامي هذا لا يعني أننا غير مسؤولين عما آل إليه حالنا أو نعلق كل أخطائنا على شماعة الغرب .. بل نحن ونحن فقط المسؤولون عن النظر الى مصالح شعوبنا ووضعها في المقام الأول.
أقول للتذكير فقط ..لن تستريح أمريكا والغرب حتى يقتتل العرب فيما بينهم كما اقتتلوا هم في حربين عالميتين إذا لم نتدارك حالنا ، ويظهر علينا حكيم في هذا الزمن يلملم شتاتـنا.
لكنني متفائل بأن سواد الليل يعقبه نهارُ ..فيا الله طال الانتظارُ.
الكاتب : سالم الزائدي