في عام 1979م ولدت هذه الدولة التوسعية الإخطبوطية التي رأت من الدول العربية غنيمة باردة، وعبر تصدير الثورة التي نصت عليها في دستورها بدأت تنشط الخلايا الإيرانية في العراق ولبنان واليمن، مستغلة الخلافات -العربية العربية-ووهن الشعور القومي الذي كانت لإسرائيل اليد الطولى في إضعافه والنيل منه، ويتدفق المال الإيراني إلى الشرق الأوسط، بهدف الإفساد في الأرض عبر تعزيز الطائفية والمذهبية، وينشأ هذا الغول الطائفي يعيثُ يميناً ويعيثً شمالاً غير آبهاً ولا مكترثاً بحالة الاحتقان الطائفي التي لم تكن موجودة أصلاً قبل هذا التغول الإيراني، وينقسم المجتمع العربي الموحد إلى جماعات وأحزاب القاسم المشترك بينها العداوة والبغضاء، وكلما تقدمت الخلايا الإيرانية خطوة انتظرت ردة الفعل المتوقعة، فإن كانت يسيرة تمادت، وإن كانت قوية ومعقدة توقفت تلك الخلايا بانتظار أوامر جديدة من طهران.
إن ما جاءت به إيران هو السحر بعينه بل إن كان السحر المتعارف عليه هو التفريق بين الزوج وأهله وينشأ عن ذلك ضياع أسرة أو أسرتين، ومع ذلك يُعد من الإفساد في الأرض بل هو من الموبقات، فإن سحر إيران يتعدى البيت والأسرة التي هي نواة المجتمع، إلى سحر المجتمع وتفريق كلمة الأمة وضياع شبابها في أتون حرب طاحنة لا غالب فيها ولا مغلوب، إن تلك الأعمال الخسيسة التي تقوم بها إيران تهدف بالدرجة الأولى إلى تمزيق النسيج العربي ذلك النسيج الجميل الذي لطالما تغنى به الشعراء والأدباء والمفكرون، لنجد العداوة والبغضاء قد أطلت برأسها البغيض وفرقت الأحبة الذين كانوا يأكلون في طبقٍ واحد، ويدرسون في صفٍ واحد، بل ربما تزوجوا من بيت واحد، تدخل العداوة والبغضاء إلى القلوب وإلى المساجد وإلى الساحات العامة، هكذا يقوى النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط بتجزئة المجزأ وتقسيم المُقسم وتفتيت المفتت، فحالة الاستقرار والأمن والأمان لا تروق لطهران، وبالثروات النفطية الهائلة التي تمتلكها والعلاقات الدولية التي تمتلكها تطمع هذه الساحرة في أن تظهر للعالم أجمع أني القوة الأبرز في المنطقة، فتأثيري لا يتوقف على حدودي بل يتعداه إلى دول الجوار، وتبدأ دول العالم تلهث خلف القوة الجديدة الصاعدة، فلكل يريد أن يتعامل ويتعاون مع القوي ذو السطوة والهيبة، ويتعاظم الشعور بالعظمة والكبرياء لدى إيران الساحرة، ولم تعلم إيران أن السحر تخييل وليس تغيير للحقائق، فتأتيها الصفعة التأديبية من الجارة السعودية راعية الأمن والأمان وداعية السلام في الشرق الأوسط، عبر عاصفة الحزم التي طال انتظارها، حتى ظن البعض أن السعودية قد تغيرت وتخلت عن دورها التاريخي في مناصرة المظلومين، جاءت عاصفة الحزم لتقول: احذروا الحليم إذا غضب، جاءت عاصفة مثل اسمها، ترد البغاة عن بغيهم، وتخلق جواً من الارتياح والطمأنينة، ليخرج السيد حسن نصر الله يندد ويهمهم ويزمجر بتلك العاصفة الهوجاء التي أطاحت بمشروع ربيبته إيران في اليمن، ولا ينسى السيد حسن نصر الله دائماً أن يذكرنا بالقضية الفلسطينية ولا ننسى أن نذكره دائماً أنك الحامي الأول لحدود إسرائيل فلماذا أنت متردد من المضي قُدماً ونحن نرجو من الله أن تنعقد الإرادة العربية لحل أزمة ومعاناة الشعب الفلسطيني والسوري والعراقي وحتى لا يكون لهذا الدعيّ البغيّ أي حجة أو مبرر، فقضية مثل القضية الفلسطينية بحاجة إلى عاصفة قوية مثل عاصفة الحزم التي عصفت وحزمت قلوب المرجفين، لقد كانت السعودية لليمن كما كانت للبحرين الدرع الحصين، والكل يعلم أن السعودية ليس لها أي مصلحة في اليمن، بل كان ومازال اليمن عبء على الخزينة السعودية، التي تواسيه بمالها حباً وكرامة، لا إخضاعاً وإذلالا، وكما قيل أول الغيث قطرة، ولكن هذه القطرة كانت برداً وسلاماً على الأشقاء اليمنيين، فهل تتوالى قطرات الملك سلمان بن عبد العزيز إلى سورية وخاصة أن تركيا كانت حاضرة وبقوة في عاصفة الحزم، فبمجرد عقد اتفاق نووي مع إيران ستكون إيران أقوى من ذي قبل وستعوض خسارتها في اليمن والبحرين، في سورية لاستكمال مشروعها التوسعي الإخطبوطي.
مهدي محمود
كاتب سوري.