تولي القيادة الحكيمة اهتماماً كبيراً بالخدمات الصحية في وطننا الكبير المترامي الأطراف، إلاّ أن الوزارة المعنية بهذه الخدمة تشكّل هماً وهاجساً قد يبدو عصياً على الحل. إذا تأملنا حال الوزارة في الستة أشهر الماضية، نجد أننا أمام عجز وشلل تام عن الدفع بمسيرة الصحة في بلادنا إلى الأمام. وما تعاقب الوزراء الخمسة في هذه الفترة الوجيزة إلاّ دليل دامغ على هذا الواقع المؤسف. لا نجادل مطلقاً حين نقول إن وزارة الصحة قد تكون الوحيدة التي يمارس المجتمع المدني ضغوطاً هائلة على الحكومة لإقالة وزيرها، إن حاجة المواطن للوزارة وارتباطه المباشر بها تبدأ منذ اللحظة التي يحصل بها على شهادة الميلاد ولا تنتهي إلا عندما يقوم ذووه باستلام شهادة الوفاة.
كان سبب إعفاء الوزير د. عبدالله الربيعة هو عدم قدرة جهازه الإداري والاستشاري على التعامل بشكل واضح وشفاف مع وباء الكورونا، كانت الأخطاء جسيمة وتتكرر وتوحي للرأي العام باللامبالاة، رغم قيامهم بالعديد من الاجتماعات وتشكيل اللجان المتخصصة، إلاّ أن هذا لم يكن كافياً لتطمين العامة الذين شعروا بالذعر وتُرك المجال للتكهنات وأصبحت المصادر المتاحة هي إسهامات الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي والتي لم تكن تعبر بأي حال عن الصورة الحقيقية مع غياب تام للمعلومة التي توجّب إعلانها من مصدرها الرسمي وهي وزارة الصحة.
أما الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة بعد د. الربيعة وفي الفترة القصيرة الماضية فإن أداءهم كان متشابهاً مع بعض الاستثناء للوزير المكلفّ عادل فقيه لم يكن هنالك أي تطور رئيسي ينطوي على درجة كبيرة من الأهمية، لذا لم يكن من قبيل الصدفة أن يسقطوا الواحد تلو الآخر لأنه لم يكن لديهم أي عامل حقيقي للنجاح.
وزارة الصحة وطوال هذه السنوات ورغم تعاقب الوزراء اتخذت موقفاً لا يتغير وهو عدم بناء جسور أو قنوات للتواصل مع الأصوات من الوسط الطبي التي تناشد بالتغيير والإصلاح في الهيكلة الإدارية والتنفيذية. الآن ونحن في صدد تعيين وزير مكلف جديد نعلم أن القيادة الحكيمة الحازمة ستستمر بدعمها اللامحدود لهذا القطاع الذي يرقى لأهمية الأمن في وطننا الغالي، ويتوجب على الوزير أن يستمع جيداً للنداء الأخير خاصة وأن أمامه سيلا هائلا من التحديات وفرصا عظيمة لعمل الفارق الحقيقي الذي طالما ناشد به المجتمع والرأي العام. إن الغالبية على يقين بأن الجهاز الذي يُعنى بصحة الناس لا يمكن إدارته بالطريقة نفسها التي تدار بها المرافق الحكومية الأخرى.
يتوجب على الوزير ألاّ ينتظر من القيادة الحكيمة والتي تتلمس حاجة المواطن وتصغى لصوته أن ترسم له خارطة الطريق أو خطة عمله، بل هو المطالب بذلك، كما أن المسؤولية أمام القيادة تقع على كاهله لذا فهو مطالب بعمل التغيير المنشود والمأمول.
الوزير مطالب أيضاً بأن يبحث عن الأسباب الحقيقية لإخفاق الوزارة، وألاّ تكون وسائل البحث وأدواته من داخل الوزارة. ولن ينتقد أحد الآن الوزير القادم أو يستنكر عليه الضخ بالدماء الشابة والدفع بهم إلى الصفوف الأمامية، كما أنه سيجد من يشد على يديه حين يقوم بإقصاء القيادات القديمة وإتاحة المجال أمام جيل آخر من الكفاءات الطبية والإدارية في بلادنا والتي يشار إليها بالبنان وتجد التقدير والاهتمام خارج حدود الوطن والتي تمّ تجريفها وإبعادها عن المساهمة في التخطيط والبناء الطبي.
إنه يتحتم على الوزير الجديد أن يبادر بالتواصل مع العقول الرائدة في وطننا المترامي الأطراف، عليه أن يبحث عنهم ويطلب عونهم ومشورتهم ولا ينتظر منهم أن يأتوا إليه فقد أفقدتهم المحاولات السابقة كل الثقة بالقدرة على القيام بعمل ما.
إن الوضع الراهن للوزارة يحتاج إلى احتواء كل من يستطيع المساهمة في وضع خارطة للطريق في سياق ورؤيا واضحة لمستقبل أفضل، أما إذا استمر النهج الحالي في مواجهة التحديات الكبيرة المستقبلية فإننا نخشى أن تظل الوزارة كما عهدناها، غير قادرة على القيام بواجبها تجاه صحة مواطنيها.
[COLOR=#ff0600]الدكتور/ سلطان التمياط[/COLOR]
رئيس الطاقم الطبي لبدانة كلينك