يحق لكل دولة في العالم أن يكون لها حلفاء ومناصرين وموالين ومؤيدين، كما يحق لها أن تتبنى أي فكر أو دين أو معتقد، وهذا متعارف عليه دولياً وقانونياً، ولكن ليس من حق أي دولة في العالم أن تتلاعب بأمن وأمان دول الجوار تحت أي مسمى أو ذريعة، فالمتاجرة بالأديان والمعتقدات لخلق النعرات الطائفية والمذهبية و شق الصف وتفريق وحدة دول الجوار عبر توريد السلاح لتغذية الانقسامات وإيجاد الحروب الأهلية بين أبناء الوطن الواحد، التي باشتعالها ستعيد الجار العربي إلى جاهليته الأولى، هذا ليس تصرف دول تحترم المواثيق والمبادئ والدساتير المنصوص عليها دولياً، فإيران تلك الدولة الفتية التي تحلم ببسط نفوذها على المناطق الحيوية في الشرق الأوسط، كالبحر الأبيض المتوسط والمضايق (المضائق)الاستراتيجية كمضيق باب المندب ومضيق هرمز، لا تمتلك إيران تلك الخبرة السياسية والدبلوماسية الوقائية والعسكرية لمثل هذه المشاريع العملاقة التي تعجز عنه دول عظمى، إيران تعلم أنه لن يسمح لها أن تسيطر على الممرات المائية وطرق التجارة العالمية، وهي تعلم أنها دولة ناشئة غضة طرية، تريد أن تثبت حضورها ودورها الإقليمي والدولي لذلك تلجئ إلى العباءة الدينية، لعلمها المسبق بأن الدين له وقعه الكبير بين شعوب الشرق الأوسط، لذلك فهي تستفيد من الانقسامات الدينية و تستحضر من الماضي الغابر قصص ومشادات قد مضت بأهلها تستحضرها وتنفخ في كيرها علها تلقى أذن سامعة هنا وهناك، هذه الدولة تعرف أنها لن تبسط نفوذها إلا إذا أضعفت دول الجوار من الداخل، وهي تتجنب الصدام المسلح مع دول الجوار، بعد تجربتها المريرة مع نظام صدام حسين، لذلك تحرص على زرع الفتن والقلاقل بين أفراد المجتمع الواحد ولسان حالها يقول "فرق تسد" ولقد وجدت بين أبناء العرب من يعيرها أذنه وقلبه، وينغم على هوى تلك الدولة الطامحة، التي تحصد من الفرقة أضعاف ما تحصد من اجتماع الكلمة، وتريد لحلفائها ومواليها ومؤيديها الفقر والمهانة لتكون صاحبة اليد الطولى في مد يد العون لهم، لذلك ما تفتأ تنكئ جروحاً للتو قد اندملت، هذا باختصار هو حال العرب وإيران الدولة التي تستفيد من تشرذم العرب وافتراقهم.
إيران التي تمتلك أربع ملايين برميل من النفط وهي عضو في منظمة البلدان المصدر للنفط أوبك ويقدر احتياطي إيران من الغاز الطبيعي بنحو29,61ترليون متر مكعب بالإضافة إلى موارد الدولة المتعددة كل هذه الموارد وكل هذه الثروات الطبيعية لا يستفيد منها المواطن الإيراني شيء لأنها محرمة عليه، والمال المكدس في الخزينة هو فقط لمغامرات الولي الفقيه، مع العلم أن متوسط دخل الفرد الإيراني المؤمن بولاية الفقيه، والذي يعيش في العاصمة طهران فضلاً عن الذين يعيشون في المناطق النائية، لا يتعدى 50 دولار شهرياً، لذلك يموت المواطن الإيراني مئة مرة في اليوم ليعود إلى بيته بما لا يكاد يسد الحاجة، والبؤس بادٍ على عامة الشعب حيث أن ثلث الإيرانيين يعانون من البطالة المتفشية، والفقر المدقع قد أطل بوجهه الصفيق على موائد الشعب المعدم وب14 مليون فقير تحجز إيران مكانة لها بين دول العالم الثالث.
إيران التي تشعل النيران في محيطها بداً بالعراق إلى سورية ولبنان وجزيرة العرب ومروراً بأفغانستان وباكستان نيران الفتن والحروب التي تصطلي ويمتد أوارها، ستعود إلى شرارتها الأولى، هذا إذا لم تسبقها نيران الفقر الداخلي التي أوارها البطون الجائعة والبؤس والحرمان.
رغم ذلك فإن لإيران أيادي بيضاء على العرب "فالضربة التي لا تقتُلك تقويك" هذه الحكمة البالغة والمثل الشعبي يسطر بحروف من نور كيف استفاق العرب من سباتهم الطويل، ليستشعروا الخطر الداهم من الشرق، فبدأوا يتحصنون ويرتبوا بيتهم الداخلي على كافة المستويات الشعبية والرسمية والدينية، إن مكر إيران أيقظ النائم ونبه الساهي وعلم الجاهل وأكسب المعدوم قدراً كبيراً من الدراية والمعرفة، هذه الدولة الإخطبوطية رغم كل شرورها أعادت الأمور إلى نصابها فلقد وحدت العرب، فلولا وجود إيران في سورية لسقط الأسد ولتمزق الشعب السوري وهو يضرب بعضه رقاب بعض، ولكن وجود إيران وحد الجيش الحر وأكسبه الخبرة العسكرية الكبيرة التي لا تتمتع بها الجيوش التقليدية، ليكون الجيش الحر هو الحصن الحصين ليحافظ على وحدة البلاد، وكان لتمرد حلفاء إيران في اليمن، دوره الكبير في تعزيز القومية العربية التي لطالما سمعنا بها ولكن رأيناها اليوم في عاصفة الحزم التي زرعت الأمل في نفوس أبناء الأمة، إن المراقب للتحرك الإيراني يعلم ويستشف بأن إيران بكل جموحها وطموحها، تبين مواطن الخلل في الدول العربية وكما يقول الشاعر:
وعين الرضا لكل عيب كليلة .... وعين السخط تبدي المساويا
هل نشكر إيران لأنها أعادت للقومية العربية رونقها، وأحيت الأخوة العربية التي لطالما سمعنا بها في الكتب المدرسية.
وأخيراً فإن عين البصر ترى أن إيران دولة قوية والعرب ضعفاء، ولكن عين البصيرة ترى أن تهور إيران، سيوقظ المارد العربي ويجعل منه قوة دولية عظيمة، عندها فقد يصبح دور إيران لاغياً وستزول مثل مازال الاتحاد السوفيتي، لأنها تسير على خطاها تتمدد ثم تتبدد.
الكاتب السوري مهدي محمود