إننا إذا استطعنا تعليم المستهلك الأصناف التي تعطي قيمة غذائية أفضل وبأقل نفقة، فإننا نوفر الكثير من العمل الإنتاجي.
إن الإعلان يعد مسؤولاً إلى حد كبير عن تكوين مثل هذه العادات الشرائية الخاطئة.
فقد يعمد المعلنون إلى تشكيك الناس في سلع قديمة لينصرفوا عنها إلى شراء سلع جديدة، وهذا يمثل ضياعًا في الموارد الاستهلاكية.
ومن خلال دراسات وتحقيقات عديدة تبين أن الإعلانات التجارية تمارس دورًا كبيرًا في خداع المستهلك وفي دفعه إلى المزيد من الشراء لأشياء كثيرة لا حاجة به إليها فعلًا، وهذا هو الإسراف بعينه.
بل وتمارس الإعلانات دورًا كبيرًا في تغليب البواعث الوجدانية مثل التقليد وحب التميز والزهو والطموح والدهشة على البواعث العقلانية.
ففي دراسة علمية أجريت على سلوك المستهلك السعودي تبين أن 40-60% من دخل الأسرة ينفق على الغذاء، و15-20% على الكساء، ومثلها على الترفيه والعلاج والسياحة، و5- 10 % على التأثيث ومثلها على الأجهزة الكهربائية، و5-15% على التعليم ومثلها على السكن، ومثلها كمدخرات.
إننا في حاجة عاجلة لتصحيح عاداتنا الشرائية الخاطئة، وترشيد أنماطنا الاستهلاكية وتقويم أوضاعنا الاقتصادية، لتكون أكثر عقلانية وواقعية.
جاء في كتاب (إلى مؤمنة - أحاديث لا تنقصها الصراحة) للأستاذ محمد رشيد العويد: تنشأ المشكلات الزوجية بسبب رغبة قوية في نفس الزوجة بالشراء، شراء ما تحتاجه وما لا تحتاجه، فأمتع وقت لديها هو الذي تمضيه في السوق تنتقل من محل إلى آخر.
إنه إدمان الشراء شهوة عارمة للشراء والمزيد منه.
وقد أشارت باتريشيا روبرتس لخطر هذه الشهوة بقولها:
إن الإدمان على الشراء لا يقل خطرًا ودمارًا نفسيًا عن خطر الإدمان على الكحول أو المخدرات.
ويمكن أن يكون الإدمان على الشراء ردة فعل للكآبة والتوتر النفسي وحالات القلق، فيجد المرء المتنفس الوحيد له في الإغراق بالشراء، فقد يشتري سلعًا ليس في حاجة لها.
ثم إن المدمن على الشراء يعاني نوعًا من الندم أو تأنيب الضمير، لأنه يندم بعد الشراء كما أن المدمن على الشراء كثيراً ما يعاهد نفسه ألا يفعل ذلك.
ومما يلاحظ أن الإدمان على الشراء ينتشر كثيرًا بين الناس غير السعداء في حياتهم الزوجية. وهم يجدون فيه عملية هروب من وضع غير مريح. وللأسف، فإنه نتيجة للإدمان على الشراء فإن المدمن على ذلك يصاب بنوع من الاستهتار بالالتزامات، وربما يكون عرضة لمشاكل الديون والأقساط.
ومن النصائح الموجهة في هذا المجال:
ضرورة تذكر ملايين المسلمين والمسلمات الذين يفتقدون الحاجات الأساسية، كما يفتقدون السكن المريح والطعام الوفير والثوب الدافئ.
ضرورة تقدير الزوجة لما يبذله زوجها من جهود وعمل لقاء الحصول على الأموال اللازمة والتي ينفق أجزاء منها على شراء الاحتياجات والسلع الضرورية للأسرة.
أهمية معرفة أن المعيشة الهانئة والسعيدة وسعة العيش قد لا يدوم ذلك كله وقد تم بالأسرة أيام صعبة يحتاجون معها إلى كل ما أنفق دون حساب.
ضرورة توفير مبالغ كافية لتنشئة الأطفال وتحقيق الحياة الكريمة لهم، مصداقًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لأن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)).
ورحم الله الفاروق - رضي الله عنه - القائل لرجل من أصحابه اشترى لحمًا: (ما هذا؟) قال: لحم اشتهيته فاشتريته، فرد عمر - رضي الله عنه - قائلًا: (أكلما اشتهيت اشتريت؟).
إنَّ الإعلان التليفزيوني يثير الشهية ويحث على الفضول ويدعو إلى المغامرة أحيانًا، ويفتح أبوابًا جديدة في الشراء والاستهلاك والتسوق، ولذا يعمد المنتجون إلى إيهام المشاهدين بالحاجة المُلِحَّة لهذه السلعة أو تلك.
إن مهمة الإعلان التليفزيوني الأساسية تكمن في جعل الناس يستمرون في الشراء الدائم من خلال العمل الدائم للحصول على المال اللازم للشراء.
ولا عجب، فإنه حسب بعض الإحصاءات تم إنفاق نحو 84 مليار دولار في الدعاية والإعلان عن السلع والخدمات في عام واحد فقط!!
وقد قيل: إن اقتناء التليفزيون والفيديو أو أحدهما يُعدُّ إشارة واضحة لتخطي الأسرة حدود الاقتصاد في المعيشة إلى الانغماس في حمأة الاستهلاك، وحمى الشراء التي يعمل منتجو السلع على تعميمها وإشاعتها!!
إن الشراء النزوي أو التلقائي كما اصطلح عليه، يعني شراء سلع لم تكن في ذهن المشتري قبل دخوله المتجر أو السوق.
وقد أصبح هذا النوع من الشراء عادة استهلاكية وظاهرة سلوكية نتيجة لحدوثها باستمرارها، خاصة بعد انتشار المتاجر وما يعرف بالسوبر ماركت – الأسواق المركزية – التي تعرض السلع بشكل جيد وجذاب وتستخدم أسلوب الخدمة الذاتية.
وحسب بعض الدراسات والإحصاءات فإن هناك 60% من قراراتنا قرارات نزوية!!.
إنَّ جزءًا من عمليات الشراء فيه مسايرة لما يحدث في المجتمع سواء بين الأصدقاء أو الزملاء أو الأسر أو الجيران من أجل ظهور الشخص بالصورة المقبولة اجتماعيًا. وما يحدث في حفلات الأعراس والمناسبات العامة دليل على ذلك؛ فبعض الناس ينفق في هذه الحفلات الكثير من الأمور مسايرة لضغوط المجتمع، وحتى يظهر أمام الآخرين أحسن الناس.
ومن النماذج التي تؤكد وجود ما يعرف بالمحاكاة والتقليد لاستهلاك الآخرين هو ما نشاهده من أن فساتين الأفراح لا تلبس لأكثر من مرة أو مرتين وكذلك المجوهرات، بل وفي مناسبات الولائم لا يوجد حسن تدبير، بل عنصر التفاخر والتبذير.
وللأسف، فإن ثقافة الاستهلاك – وعلى كافة المستويات – أصبحت في السنوات الأخيرة هي الثقافة المهيمنة على كثير من الناس.
وما ذلك إلا لعدم تجذر الثقافة الدينية في النفوس؛ ففي حين أخذ الكثيرون يلهثون وراء المادة واستهلاكها نسي أولئك – أو تناسوا – عقائدهم وتخلوا عن قيمهم لأجل المادة والمال!!.
[COLOR=#ff0900]أ . د / زيد بن محمد الرماني[/COLOR]
ــــ المستشار الاقتصادي وعضو
هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : zrommany3@gmail.com