في حياتنا الكثير من المسميات التي تقتل الإنسان واقفاً ولست أعلم ألها أصل في قواميس اللغة ! أم أنها مصطلحات عصرية تعارف الناس عليها فألفوها مع عدم القناعة بها .
وكثيراً ما نسمع عن التقاعد والمتقاعد وغيرها من المصطلحات التي تعبر عن حدث، فالمتقاعد يراد به من وصل إلى نهاية الخدمة إما بحسب السن القانوني والمتعارف عليه بستين سنة أو حسب سنوات الخدمة المحددة بأربعين عاما .
وها هي الأيام لا تكاد تخلو من إقبال الكثير من موظفي الدولة على اتخاذ قرار إنهاء الخدمة قبل وصوله إلى نهاية الخدمة أو السن القانونية ، وهناك أسباب عدة لعل أبرزها ضغوط العمل وكذا تفضيل الإنخراط في مجال التجارة والبحث عن الحرية وعدم الإلتزام والتقيد بعمل حكومي وليس هذا مضمون المقال .
والحديث عن التقاعد والمتقاعدين حسب المسمى المتعارف عليه يطول شرحه ويصعب أحياناً الغوص في تفاصيله .
فإذا ما تحدثتا عن المسمى فهو بداية إحباط لمن انتهت خدماتهم ، وكم سمعنا عن أناس تم إنهاء خدماتهم فأصيبوا بالأمراض والأزمات النفسية ولعل للمسمى دور في ذلك ، ومع المسمى عوامل أخرى وهي كثر للأسف.
حيث نجد أن الكثير من المنتظرين قعوداً حتى الممات كما يفهم من المسمى يفتقدون الكثير والعديد من المقومات التي تقتل ذلك الإحباط في داخلهم وتبدد ظلام اليأس من نفوسهم ، فماذا فعلنا لأولئك المنجزين الذين أمضوا شبابهم حتى المشيب في خدمة الوطن والمجتمع.
ووقوفاً على حالهم عقب التقاعد دعوني أستعرض في عجالة من الواقع مايرافق المنجزين حسب وجهة نظري والمتقاعدين في المسميات النظامية في مرحلة ما بعد الإنجاز ، ففي الغالب نجد أن الأمراض النفسية نحو السأم والإكتئاب والسهر أول من يمتطي رحله المتقاعد في تلك المرحلة ، ناهيك عن الأعباء المادية التي لا يشعر بها الكثير من المنجزين إلا عقب فوات الأوان وتوديع المنصب الوظيفي حيث يعجز غالبية المنجزين عن الوفاء بالإلتزامات المالية نحو الأسرة والمجتمع بسبب نظام احتساب رواتب المتقاعدين وما يلحقها من نقص واقتصاص من الراتب ، وكأن المكافأة التي ينالها عقب ما قدمه من إنجاز يمثلها ذلك الإقتصاص .
ومن الأمور التي ترافق المتقاعدين في رحلتهم كذلك الشعور بهامشية الحياة وعدم القدرة على إدارة الوقت وبالتالي الشيخوخة العاجزة عن التفكير والعمل .
وبالنظر إلى من حولنا من الدول التي تهتم بذلك الإنسان والمراد فئة المنجزين حق علينا أن نطالب المؤسسة العامة للتقاعد ببذل يسير من الجهد من أجل الوفاء لأولئك المنجزين الذين حق لهم علينا أن نرفع لهم المعروف والتبجيل والود والتقدير نظير ما قدموه لوطنهم ومجتمعهم ونقف معهم ما بعد تركهم لمناصبهم ووظائفهم .
وعندما نطالب المؤسسة العامة للتقاعد وغيرها من الجمعيات التي تهتم بشؤون المنجزين فما ذاك إلا لأنه واجب على الجميع وتكريماً لتلك الفئة من أبناء الوطن المعطاء .
والجميع يدرك أن الحملات الإعلامية المتكررة عن طريق الإذاعة والتلفاز والصحف التي تثقف وتوعي تلك الفئة بأهميتهم ورفع الروح المعنوية لديهم من أبسط حقوقهم ومن أسهل الواجبات التي مفترض أن تقوم بها المؤسسة العامة للتقاعد ، ولماذا لا تبادر المؤسسة العامة للتقاعد وهي تستقطع من راتب ذلك الموظف إضافة إلى الدعم الذي تناله من ميزانية الدولة لماذا لا تبادر إلى عمل النوادي الرياضية والترفيهية والأدبية لتلك الفئة الغالية ؟
ولماذا لا تتبنى فكرة التأمين الطبي الذي هو من أهم ما يبحث عنه كل إنسان في مثل سن المتقاعد ؟
ولماذا لا تقدم المؤسسة مشروع الإسكان للمتقاعد بشروط يمكن أن تنطبق على كل متقاعد ولماذا لا يمنح السكن برأس المال أو بنسبة يسيرة غير تلك النسب العالية والشروط التعجيزية .؟
وبعيداً عن كل ذلك إذا لم تستطع المؤسسة تقديم نحو تلك المبادرات التي ليست بمنأ عن التحقيق أو أنها صعبة المنال ، لماذا لا تقدم البرامج التدريبية لتلك الفئة ؟ ولماذا لا تستغل تجاربهم وقدراتهم كخبراء وعاملين ولو بمكافآت يسيرة ؟ فالهدف هو الإهتمام بالمتقاعد نفسياً وجسدياً ولا مانع أن يتم تحسين وضعه المادي كذلك.
وبما أننا نسمع ونشاهد ونتابع ما تصنعه الدول ذات الإهتمام بالإنسان على العموم والمنجز بشكل خاص من حوافز ومساعدات واهتمام ، فليت أننا نسير في قافلة تلك الدول التي تجعل الإولية في كل شيء لمتقاعديها المنجزين ولمواطنيها المبدعين ، بل ولم لا يكون لنا السبق ونتجاوزهم إلى أبعد من ذلك بإنسانيتنا التي أورثنا إياها ديننا الإسلامي العظيم "
[COLOR=#ff0600]عبدالعزيز الناصري [/COLOR]