"عندما كنت في الخامسة من العمر كانت أمي تقول لي دائماً أن السعادة هي مفتاح الحياة، وعندما ذهبتُ الى المدرسة سألوني، ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟ كتبت: أريد أن أكون سعيداً. فقالوا لي أني لم أفهم السؤال. فقلت لهم أنهم لم يفهموا الحياة" . جون لينون
مفتاح حديثنا ..الصداقة.. اذا أردت أن تعرف امرءاً اعرف قرينه، إن القرين بالمقارن يقتدي، وقال آخر قل لي من صديقك أقل لك من أنت، وعوام الناس يقولون اختر صديقك قبل الذهاب في طريقك..
الصداقة هي دنيا المعاني والجمال والحكمة تكون الأولوية فيها بالاختيار ودقة النظر وحسن التمييز لأن النفس تُخلق لتصور العلاقات التي تنشأ بين الأفراد فتُحسن الصورة في شكلها المهذب.. في أسلوبها ومشاعرها.. ودقة لمحاتها في ذوقها ورقيها.
هي بيت من بيوت الحياة إذا بُنيت على الأخلاق ، تكون حديقة يكسوها الطابع الودي والموضوعي تجاه أنفسنا واتجاه الآخرين.
الصداقة هي ذلك الحبل المتين من العلاقات الناشئة بين الطرفين، ذلك الود الرصين الذي يملأ الحنان وجنتيها، هى لمسة وفاء يعيها ذوي القلوب والأبصار، ومشاعر فياضة تجمع بين المحبين والأخلاء، وزهرة مزدانة بألوان الفسيفساء.
الصديق ما أحلالها من معنى، حين يحس بك عند النوازل والأزمات.. وبمنعاها يخفف عنك الأهات ويسندك في الكربات، ويشعل لك الشموع في الظلمات.. مرآة هو ورداء تلتحف به عند النداء، وسياج يحيط بك ويحميك، وعين ترعاك من كل بأس.
والصديق كذلك أمان في السر، رفيق في السفر وصندوق أسرارك في القلب ، يشد من أزرك، وتشركه في أمرك فتحل به عقدك. تروق لك جلساته، سهراته،والنيل من اسهاماته واسهاباته وفيض ملكاته.
نعم الصديق هو إذا يُؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، و نعم الصديق هو مادام مخلصاً وناصحاً ومرشداً.
ماذا عن رصيدنا العاطفي الذى تشغل الصداقةُ حيزِكبير فيه؟
تحتاج الصداقة إلى عمل دؤوب للحفاظ عليها ورعايتها فلا تجعل صداقتك تنقلب إلى مرارة بعد أن كانت حلوة ، وبعد أن كانت نهراً فياضاً من السعادة. وندرك يقيناً بأن تجارب الحياة ترافق أو ترافقت مع صداقات كانت في بدايتها شفافة نزيهة عفيفة.. ولكن في لحظة ما من "حياة الصداقة " يظهرُ هذا الصديق بألوان ضبابية وسوداوية.
رقةُ وأدبُ بظاهرها، وغيرةُ وشكُ في باطنها، حسدُ وحقدُ في معالمها، واستغلال وفتنةُ في خارجها وتعصب وكراهيةُ مقيتة في جوانبها.
ليس كل ما يتمناه المرء يدركه وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، والدنيا لا تأتي دائماً بما نحب وقد لا يكون لدينا القدرة على تغيير ما يحدث ولكن الحل يكمن في التكيف مع الواقع.
الأصدقاء في تنوعهم وغناهم كمعادن الأرض، منهم الرفيق اللين ومنهم الخشن الصلب ، ومنهم الكريم والبخيل ، ومنهم الغث ومنهم الرخيص.
ليس من قبيل المصادفة أن تمر الصداقة بمراحل وأزمات على أوجه تمايزها " فكرية اجتماعية كانت أو سياسية " بين الأصدقاء ، لكننا بالمقابل نجتهد أن يكون فى علاقتنا مصباح يُضىء دروب حياتنا من خلال تواصلنا كـ احترام قدر الانسان فى رفعته وتعلمه وفى كيفية أداء واجباته.
تبقى الصداقة أولا ًوأخيرا ً عنوان في عيون صديق، بوجودها تحلو الحياة وبوجودها نصبر على محالك الظلام والأيام.
يقول الشاعر فرج أبو الجود في الصداقة:
حياتنا جمالها صديق مهذبٌ منظمٌ أنيق
يروق لي نقاشه الجميل وذوقه وقوله الرقيق
يحس شكوتي بلا كلام ويشعل الشموع في الطريق
وعندما أضيقُ بالحياة وأشتكي له فلا يضيق
وعند كل شدةٍ أراه كأنه سفينة الغريق
اذا دعوت دعوةً أجاب كأنه هو الأخُ الشقيق
يهشُ لي بوجهه الضحوك ويحمل الورود والرحيق
ولم يزل يصونُ في العهود ويحتفي بعهدنا الوثيق
الكاتب سالم الزائدي
salemelzadiy@yahoo.co.uk