التجارة جزء من حياة البشر، من حيث التعامل والأخذ والعطاء، وذلك أن البيع والشراء ضرورة من ضرورات البشر. فكل فرد بائع ومشتر، غالبا، ووسيلة ذلك أنفس المعادن وأخفها حملا، وهما الذهب والفضة, فكان البيع والشراء يتم بهما، قديما وحديثا، وفي حالة فقدهما أو ندرتهما تتم المقايضة أو المبادلة بنوع من المعروضات للبيع والشراء، وتخضع المفاضلة بينهما بحسب ما يتراضى عليه الطرفان.
فالتجارة عبارة عن اهتمام بأشياء ضرورية وبيع وشراء وتسوق وتبادل ما يحتاجه الناس في حياتهم اليومية، من ملبس ومطعم ومركب ومسكن وأثاث وسيارات، وما ينتج عن ذلك من نفع تتصرف به حياة الناس وتتدبر به أمور حياتهم ومعيشتهم.
ونجد قبل أكثر من قرنين كانت تعتمد في اقتصادها على الاكتفاء الذاتي فالموارد المحلية تغطي -إلى حد ما- الحاجة، وما يفيض يصدر للبلدان المجاورة، لتحقيق مصادر أخرى تعين على توريد الضروريات, ويتمثل هذا في المواشي بأنواعها وما ينتج عنها من صوف وجلود وسمن وغزل, ويتبع ذلك بعض المحاصيل الزراعية الناتجة عن النخيل.
فمن الموارد المحلية زراعية كانت أو حيوانية ينظم البشر هناك حياتهم ويتعاملون فيما بينهم فالبدوي يبيع في الحاضرة ما عنده، ليشتري ما يتوافر لديهم من طعام ولباس وأوان وهكذا الفلاح والحضري، ويقوم على تلك المنتجات المحلية صناعات وحرف يدوية.
أما الموارد الخارجية، مما لا يتوافر إنتاجه في البيئة المحلية، مما يحتاجه الناس من أوان وقدور وملابس وأدوات، فهذا يستورد بقوافل جماعية.
بيد انه في الغالب تتعرض تلك القوافل لمخاطر البادية وقطاع الطريق، بالتعدي نهبا ومقاتلة, إلا إذا دفعت ضريبة تعرف اسم (أخاوة) لشيوخ القبائل للحماية أثناء مرور القافلة بأراضي هذه القبيلة.
وقد استمر هذا الوضع في نجد وغيرها من أطراف الجزيرة، حتى قيام الدولة السعودية حيث أبطلها قادتها بتوفيق من الله، ثم بقوة الوازع الديني، وكذا الوازع السلطاني.
لأن الأمن اتسعت أرجاؤه كما ذكر ابن بشر في تاريخه, فلما أرسى الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه دعائم الأمن انمحت تلك الظاهرة واستتب الأمن، ونمت الحركة الاقتصادية وأمن الناس والحجاج على أنفسهم وأرواحهم وأموالهم وتجاراتهم وقوافلهم ولله الحمد والشكر.
ومما يجدر ذكره انه في تلك الأزمان كان في نجد طبقة من التجار وفئة من المتصلين بالمناطق المجاورة للبيع والشراء، وكان التواصل التجاري مرتبطا بحسب وضع الناس ذلك الوقت داخليا ومع جيرانهم.
يقول د. محمد بن سعد الشويعر: كانت القوافل التجارية -لأهميتها- تعتبر شريان الحياة الاقتصادية في المجتمع السعودي، إذا سلمت من الاعتداء.
وقد ذكر ابن بسام المتوفى سنة 1346هـ رحمه الله في كتابه (تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق), بعض الحوادث الدالة على الحركة الاقتصادية والتعامل التجاري بيعا وشراء ونقلا ومتاجرة. ومن ذلك قوله:
* في عام الأمطار والسيول، تعمّ الخيرات والرخاء في نجد وما جاورها.
* وفي عام الإغارة والنهب، يكثر القتل والسرقة والاعتداء على أهل القوافل.
وهكذا فان قوافل النقل كانت تتولاها قبائل البادية لتجمعها واستعدادها للمجابهة من جهة، ولما يدر عليها من موارد متاجرة.
ومن الملاحظ من خلال الشواهد التاريخية والوثائق أن الاعتراض على القوافل التجارية من أبرز الأحداث التي يرصدها المؤخرون، ويتناقلها الناس في منتدياتهم أخبارا ذات أهمية
.
وقد أفاض ابن بسام في كتابه (تحفة المشتاق) والفاخري في كتابه (الأخبار النجدية) وابن بشر في كتابه (عنوان المجد في تاريخ نجد) وابن عيسى في كتابه (تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد)، أفاضوا في إيراد أخبار القوافل التجارية وما تتعرض له من سلب ونهب وقتل، وكذا ذكر أحوال المجاعات والأزمات الاقتصادية وغلاء الأسعار.
لقد فطر الله تعالى في الإنسان حب الأرض والاستئناس بها، ومن هنا ندرك سبب كثرة القتال في نجد ذلك الوقت، حسبما رصد في النبذ التاريخية والوثائق والشواهد التاريخية.
ولأن العقار مصدر من مصادر الحركة الاقتصادية فقد لجأ بعض الوجهاء والأثرياء إلى شراء الأراضي وتملكها، والقيام بإحيائها واستثمارها وتنمية مصادرها.
وهكذا، كانت التجارة وما زالت تشكل جزءا مهماً من إنسان نجد، ومؤشرا على حركته الاقتصادية وفاعليته التنموية.
[COLOR=#FF002E]أ . د / زيد بن محمد الرماني[/COLOR]
ــــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : [email]zrommany3@gmail.com[/email]