عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعطي حظه من الرفق، فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق، فقد حرم حظه من الخير» . لا تكاد ساحة من ساحات الإسلام إلا وللرفق فيها النصيب الأكبر والحظ الأوفر، سواء على مستوى التشريع الفقهي أو في جانب العلاقات الاجتماعية أو في المعاملة، حتى مع الخصوم والأعداء أو في غيرها من المواطن، هذا فضلا عن أنه تعالى عرف نفسه لعباده بأنه الرفيق الذي يحب الرفق، وكان رسوله صلى الله عليه وسلم نبراسًا في هذا الشأن ما لم تنتهك حرمة من حرمات الله.
كل هذا الارتباط الوثيق بين الإسلام والرفق جعل منه بحق دين الرحمة والسماحة مهما تعسف المغرضون في وصمه بالعنف والإرهاب، إن الرفق ضد العنف وهو المداراة مع الرفقاء ولين الجانب واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} ال عمران:159] فالناس في حاجة إلى كنف رحيم وإلى رعاية فائقة وإلى بشاشة سمحة وإلى ودٍّ يسعهم، وحِلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم، في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء ويحمل همومهم، ولا يعنيهم بهمه ويجدون عنده دائمًا الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء، وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا كانت حياته مع الناس .
وقال عز وجل: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215]، فهو اللين والتواضع والرفق في صورة حسية مجسمة، صورة خفض الجناح كما يخفض الطائر جناحيه حين يهم بالهبوط، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين طوال حياته ، وقال أيضا: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً} [الفرقان:63]، الهون: مصدر الهين وهو من السكينة والوقار، أي: يمشون حلماء متواضعين، وقيل لا يتكبرون على الناس .
وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «من أعطي حظه من الرفق» -أي نصيبه منه- «فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير» كله إذ به تنال المطالب الأخروية والدنيوية وبفوته يفوتان، وقال في اللمعات: "يعني أن نصيب الرجل من الخير على قدر نصيبه من الرفق، وحرمانه منه على قدر حرمانه منه، ولهذا قال نسطور لما بعث صاحبيه ليدعوان الملك إلى دين عيسى وأمرهما بالرفق فخالفا وأغلظا عليه فحبسهما وذاهما، فقال لهما نسطور: مثلكما كالمرأة التي لم تلد قط فولدت بعد ما كبرت فأحبت أن تعجل شبابه لتنتفع به فحملت على معدته ما لا يطيق فقتلته" .
والنصوص النبوية عديدة ومتنوعة في تأكيد هذا المعنى، فقال صلى الله عليه وسلم: «من يحرم الرفق يحرم الخير كله» ، وفيه فضل الرفق وشرفه، ومن ثم قيل الرفق في الأمور كالمسك في العطور، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله» ، أي لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل والدفع بالأخف وقوله: «في الأمر كله» في أمر الدين وأمر الدنيا، حتى في معاملة المرء نفسه، ويتأكد ذلك في معاشرة من لا بد للإنسان من معاشرته كزوجته وخادمه وولده، فالرفق محبوب مطلوب مرغوب، وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف مثله من الشر.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف» ، وقال: «إن الله تعالى رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف» ، فقوله «إن تعالى اللّه رفيق» أي لطيف بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، فيكلفهم فوق طاقتهم، بل يسامحهم ويلطف بهم: «يحب الرفق» لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل، أي يحب أن يرفق بعضكم ببعض: «ويعطي عليه» في الدنيا من الثناء الجميل ونيل المطالب وتسهيل المقاصد، وفي العقبى من الثواب الجزيل «مالا يعطي على العنف»، وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله. نبه به على وطاءة الأخلاق وحسن المعاملة وكمال المجاملة ووصف اللّه سبحانه وتعالى بالرفق إرشاداً وحثاً لنا على تحري الرفق في كل أمر .
وقال ابن عمر: "العلم زين والتقوى كرم والصبر خير مركب، وزين الإيمان العلم وزين العلم الرفق وخير القول ما صدقه الفعل" ، وعن حبيب بن حجر القيسي قال: "كان يقال ما أحسن الإيمان يزينه العلم، وما أحسن العلم يزينه العمل، وما أحسن العمل يزينه الرفق، وما أضيف شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم" .
وعن جابر رضي الله عنه قال: "الرفق رأس الحكمة" ، وعن ابن عباس قال: "لو كان الرفق رجلاَ كان اسمه ميموناَ، ولو كان الخرق رجلاَ كان اسمه مشؤوماَ" ، وقال جرير: "الرفق في المعيشة خير من كثير التجارة" ، وعن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: "وقف رجل بين يدي المأمون قد جنى جناية، فقال له: والله لأقتلنك، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين تأن عليّ فإن الرفق نصف العفو، قال: فكيف وقد حلفت لأقتلنك؟ قال: يا أمير المؤمنين لان تلقى الله حانثًا، خير لك من أن تلقاه قاتلًا، فخلى سبيله" وعن نصر بن علي قال: "دخلت على المتوكل فإذا هو يمدح الرفق فأكثر، فقلت: يا أمير المؤمنين أنشدني الأصمعي:
ولم أرى مثل الرفق في لينه *** أخرج للعذراء من خدرها
من يستعن بالرفق في أمره *** يستخرج الحية من جحرها
الكاتب: شلال زياد الرشيدي
التعليقات 1
1 pings
Warning: Attempt to read property "display_name" on bool in /home/adwahail/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 281
Warning: Attempt to read property "user_level" on bool in /home/adwahail/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 282
Warning: Attempt to read property "user_url" on bool in /home/adwahail/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 283
Warning: Attempt to read property "ID" on bool in /home/adwahail/public_html/wp-content/themes/taranapress/includes/theme-comments.php on line 284
20/11/2014 في 5:36 م[3] رابط التعليق
جزاء الله خيرا يا شلال
(0)
(0)