إنَّ كل يوم يمر علينا، يحمل معه عشرات الفرص لاتخاذ أصدقاء جدد، وكلما اغتنمنا هذه الفرص وعشنا في حياة الآخرين، وجدنا حياتنا تطرد في النمو وتزداد بهجتنا ويتضاعف استمتاعنا بها. إنَّ حياة الرجل الذي يكسب صداقة الكثيرين لا يحيا حياة واحدة. وإنما يحيا ألف حياة وحياة.
إنَّ الرجل الذي يتخذ لنفسه أصدقاء عديدين، مختلفي التفكير والميول والمواهب لا يحيا حياة واحدة وإنما يحيا ألف حياة وحياة. ويكاد يجمع الفلاسفة منذ عهد أرسطو على أنَّ كثرة الأصدقاء تأتي حتى قبل الصحة والنبوغ في ترتيب النعم والخيرات التي يرزق بها الإنسان في الحياة. وعلى الرغم من أنَّ في وسعنا أن نظفر بهذه النعمة العظيمة إذا شئنا، فقلما نجد من يحرص على تحقيقها والظفر بها. وقليلون منا من يحاولون توسيع دائرة معارفهم بالحماسة التي جعلت ((جونسون)) يقول:
((إنَّ يوماً لا أتخذ فيه صديقاً جديداً، لهو يوم ضائع من عمري)).
وكان الدكتور جونسون هذا مثل معظم الذي نجحوا وتفوقوا في مختلف ميادين الحياة، واحتفظوا بنجاحهم وقتا طويلاً يتخذ أصدقاءه من مختلف الطبقات والمهن والأعمال.
جاء في كتاب ( كيف تكسب النجاح والقيادة ) : اكتساب صداقة الناس أسهل كثيراً مما نظن، وقد كان دأب ((دانيال وبستر)) كلما دخل متجراً، أن يتلطف بالحديث مع مستخدميه في شؤون أعمالهم فيفضون إليه بدخيلة أنفسهم في مودة وألفة، فأكثر الناس يميلون إلى الحديث فيما يهمهم من اختصاصهم.
ومما يجذب القلوب إلينا، أن نعبر للناس بحرارة وإخلاص عن تقديرنا لهم كلما أدوا لنا خدمة، فهذا التقدير يحطم الحواجز بيننا وبينهم ويحببهم بنا، ويحملهم على مواصلة خدماتهم وإخلاصهم لنا.
وليست الصداقة مقابلات واتصالات مستمرة فحسب، ولكنها تجاوب عاطفي وفهم وثقة متبادلان. لا يتأثران ببعد المسافة بين الأصدقاء أو مضي الزمن على اللقاء. وقد قضى الرحالة المشهور ((دافيد ليفنغستون)) شطراً كبيراً من حياته في مجاهل أفريقيا بعيداً عن الناس، ومع ذلك كان له عدد لا يحصى من الأصدقاء. تقول ابنته الصغرى في مذكراتها عنه:
((كان يرسل كل عام مئات الرسائل إلى أصدقائه المنبثين في جميع أنحاء العالم، الذين عرف أكثرهم في لقاء عابرأو على أثر كلمة تقدير وثناء)).
وكان ((وليم اوسلر)) يقول:
((إنَّ الرجل يبدأ في الشيخوخة عندما يعجز عن اكتساب أصدقاء جدد، لأن مداومة الاختلاط بالناس دليل على الاستعداد للتطور واستيعاب الأفكار الجديدة، والحيوية وحب الحياة)). وهذا حق، فإننا إذا اكتفينا بصلتنا بأصدقائنا القدامى وزملاء العمل الذين اطلعنا على جميع أفكارهم وآرائهم، توقف تطورنا الذهني وتحول بيننا وبين نواحي التجديد التي تطرد السأم والملل.
ونحن إذا حرصنا على توسيع آفاقنا الفكرية، عن طريق الصداقة فإننا نقوي شخصياتنا ونحصن نفوسنا من كثير من العقد والنقائص. فالرجل الذي يعيش وحده ويحصر تفكيره في نفسه، يجسم متاعبه ويضاعف آلامه، ويحرم نفسه ممن يشجعه ويبعد عنه أوهامه. ولذلك فهو كثيراً ما يعجز عن مواجهة مشاكل الحياة جاعلاً نفسه موطناً للحقد والضغينة والحسد والكراهية.
إنَّ لكل امرئ موهبة خاصة يمكن أن يفيد منها من يتصلون به.
[COLOR=#FF0045]أ . د / زيد بن محمد الرماني[/COLOR]
ــــ المستشار وعضو هيئة التدريس
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
للتواصل : [email]zrommany3@gmail.com[/email]