كم من وردة أزهرت بيننا لفترة من الزمن، قبل أن تغادرنا تاركة عبق عطرها يعيش معنا لسنوات طويلة بعدها، وكم من إنسان عاش لسنوات طويلة بجوارنا ولم يتذكره أحد ولو بكلمة واحدة بعد رحيله.
قبل أيام لفت انتباهنا أثناء رحلتنا اليومية مع آخر الأخبار والمستجدات مرورنا على زهرة عاشت بيننا فترة من الزمن لم نلحق بها شخصياً، لكن شذى عطرها الذي ملأ المكان كان لافتاً ومميزاً لدرجة جذب كل من يمر بسيرتها.
رحل صاحب أشهر محل لبيع المعجنات في مدينة إربد شمالي الأردن المعروف "أبو دريد"، وهو الذي عرفه الآلاف من طلبة جامعة اليرموك، وكانوا يترددون عليه يومياً مقابل الجامعة.
عرف عن الرجل قربه من طلبة الجامعة الذين يقصدون محله وحسن تعامله معهم، وروحه الشابة رغم تقدمه في السن والتي كانت تحبب إليه الكبير قبل الصغير.
وما لفت نظرنا هو عشرات التعليقات التي انهالت على الخبر حتى وصلت 100 تعليق على واحد من المواقع فقط، كلها تترحم على الرجل وتذكر مناقبه الجميلة حتى أن بعضهم وصفه بأنه من معالم جامعة اليرموك في الفترة التي وجد بها.
"لسا كان في بالي واحد سنيورة للسنيورة!!!، فعلا كان انسان جميل جدا جدا بخلقه وتعامله، أجمل أيام حياتي كانت لما أقعد آكل عنده أقراص الجبنة الشهية مع كاست الشاي الصبح، أنا خريج 2002، ما أجملك يا اربد وما أجمل هذيك الأيام، الله يرحم روحك أبو دريد فعلا العمر قصير جدا" قال أحدهم، وعلق أخر: "الله يرحمه ويغفر له ويحسن اليه، كان دمث الخلق وراقي بتعامله، بتذكر اشهر كلماته سنيورة للسنيورة، واحلى كاسة شاي للشب الحلو، رحمة الله عليه"، وكتبت إحدى الطالبات: "اللة يرحمك عم أبودريد، جد ما في اطيب من قلبك، انت من احلا ذكريات لما نتزكر الجامعة وايامها، نذكرك انت كمان لانك بابتسامتك كنت دايما تعطينا امل لما نبلش يومنا بالجامعة، ربنا يرحمك برحمته".
ونحن هنا لا نكتب هذه السطور دعاية لأبو دريد رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وإنما لنرى معاً مثالاً حياً جديداً على أثر الكلمة الطيبة والإبتسامة التي أوصانا بها ديننا في حياتنا، فأبو دريد رحمه الله أسر العشرات بكلمته الطيبة وإبتسامته المطبوعة على وجهه وبتعامله الطيب مع الآخرين، بغض النظر عن مظهرهم أو مخبرهم فقد كان يطبق "الدين المعاملة" على بساطته بحذافيرها، فحبب إليه الغريب قبل القريب.
وكم نحتاج للمئات بل والآلاف من أبو دريد في مجتمعنا، فأمثال هؤلاء هم من يعطون أجمل الصور عن ديننا ووطننا ويبقون نافذة الأمل والتفاؤل بالمستقبل مفتوحة أمامنا بأن في بلادنا من الخير والقلوب الطيبة ما يستحق أن ننظر إليه ونسلط الضوء عليه، ولكم أن تتخيلوا معنا كيف سيكون حالنا لو إجتهد كل مسؤول أو حتى كل إنسان بيننا في ترك أجمل الأثر الطيب ورائه، كما فعل أبو دريد رحمه الله، ربما نستطيع عندها أن نجبر "حالنا" على الإبتسام في وجهنا عندما يقابلنا كل صباح.
[COLOR=#FF005C]بقلم م. عبدالرحمن "محمدوليد" بدران[/COLOR]