أخبار المجتمع

الثبيتي لـ “أضواء الوطن”: رمضان في الماضي كان بساطةً وروحانيةً.. وأجمل ذكرياتي ارتبطت بصوت المسحراتي

أضواء الوطن ـ حوار: محمد آل ماضي

أضواء الوطن ـ حوار: محمد آل ماضي

مع إشراقة كل عام هجري جديد، يحلّ شهر رمضان المبارك محمّلاً بنفحات الإيمان والرحمة، ليعيد إلى الذاكرة ملامح الزمن الجميل، حيث البساطة والسكينة، ودفء العلاقات الإنسانية التي طبعت حياة الأجيال الماضية.

ولأن للإعلام دوره في توثيق الذاكرة الجمعية ونقل التجارب، كان لـ “أضواء الوطن” هذا اللقاء الرمضاني الخاص مع أحد رموز الإعلام الوطني، الأستاذ سعود بن علي الثبيتي، رئيس تحرير ومؤسس صحيفتي غرب الإلكترونية والتحلية الإلكترونية، والكاتب الصحفي المعروف، الذي أثرت مقالاته الساحة الإعلامية ببعدها الإنساني والثقافي.

في هذا الحوار، نستعرض مع الأستاذ الثبيتي ذكرياته الرمضانية، ومشاهداته الإعلامية، وقراءته للفروقات بين رمضان الأمس واليوم، ونتأمل معه كيف استطاعت الروح الرمضانية أن تخلد في الذاكرة، رغم تغير الأزمنة.

س/ رمضان في وجدانكم.. كيف شكّل هذا الشهر الكريم ذاكرة خاصة لديكم كإعلامي وكاتب؟
ج/ رمضان شكّل لي منذ الصغر محطة روحية لا تُنسى، ليس فقط من ناحية العبادات، بل من ناحية التفاعل المجتمعي والثقافي. عشت تفاصيل رمضان بكل جوارحي، وكان لهذا الشهر الكريم حضور دائم في مقالاتي، لما يحمله من قيم إنسانية وإيمانية. أجمل ذكرياتي ارتبطت بصوت المسحراتي، ولمّة الجيران، وسُفر الإفطار البسيطة. رمضان الماضي كان مليئًا بالسكينة والبساطة التي نفتقدها اليوم.

س/ هل تتذكر أول تجربة لكم مع الصيام؟ وكيف أثّرت في وعيكم كطفل في ذلك الوقت؟
ج/ أول تجربة صيام لي كانت في العاشرة من عمري، وكنت حينها أمارس الصيام بشكل متقطع كما يفعل معظم الأطفال. أذكر حادثة طريفة حينما تسللت لأتناول كمية كبيرة من الحلاوة الطحينية التي جلبها والدي –رحمه الله– استعدادًا للعيد، فما إن وضعتها في فمي حتى اختنقت بها، وضُبطت في المطبخ! كانت ضحكات الأهل أكثر وقعًا من أي توبيخ، وهذه الحادثة بقيت محفورة في الذاكرة كأولى دروسي في معنى الصيام والانضباط.

س/ من خلال مشواركم الإعلامي، كيف ترون انعكاس روح رمضان في الإنتاج الإعلامي عبر العقود؟
ج/ للأسف، هناك تراجع ملحوظ في الروح الرمضانية التي كانت تظهر في الإعلام سابقًا. البرامج القديمة كانت تنقل قيم رمضان من خلال دراما هادفة أو برامج توعوية دينية وروحية. أتذكر أحاديث الشيخ علي الطنطاوي –رحمه الله– التي كنا ننتظرها بشوق، لما فيها من حكمة وأسلوب بسيط يدخل القلب مباشرة. الإعلام اليوم مشغول بالإبهار البصري، لكنه بحاجة لاستحضار تلك الرسائل العميقة التي كنا نستقيها من إعلام الأمس.

س/ كيف أثّرت البيئة الاجتماعية في الماضي على بناء الحس الإعلامي لديكم؟ وهل كان لرمضان دور في ذلك؟
ج/ البيئة التي نشأت فيها كانت مدرسة حقيقية في بناء الوعي، وخاصة في رمضان. كنا نتابع البرامج الإذاعية بدقة، ونستمع لحكايات الكبار، ونتأمل في القصص الرمضانية. رمضان كان موسمًا للتأمل والقراءة والمشاهدة الهادفة. وهذا ما زرع فيّ شغف الكلمة المسؤولة والرسالة الهادفة، وكان له دور كبير في تكوين رؤيتي الإعلامية.

س/ ما أبرز المظاهر الرمضانية التي ترون أنها تستحق أن تُوثّق إعلاميًا للأجيال القادمة؟
ج/ كثيرة هي المظاهر التي تستحق التوثيق، مثل صوت المسحراتي، ولَمّات الجيران، والصلوات المهيبة في المساجد، والتكافل الاجتماعي الحقيقي. كذلك مشاركة الجميع في إعداد السفر الرمضانية، وتبادل الأطباق بين البيوت. هذه الصور البسيطة تحكي عن مجتمع كان حيًا بالقيم، وتستحق أن توثق ليس فقط عبر عدسة الكاميرا، بل بروح الكلمة.

س/ كيف كان الاستعداد لرمضان داخل منازلكم؟ ومن كانت الشخصية المركزية في المطبخ الرمضاني؟
ج/ والدتي –رحمها الله– كانت قلب المطبخ، رغم أنها كانت ضريرة، لكنها تميزت بمهارة فائقة في الطهي، بمساعدة والدتها. أختي شاركت أيضًا، وكنا جميعًا نشارك في التحضيرات. كنا نبدأ الاستعداد لرمضان قبل حلوله بأيام؛ بطحن البهارات، وتجهيز العجائن، وتنظيم أدوات المائدة. لا خادمات، ولا أجهزة كهربائية، فقط الاعتماد على التعاون الأسري وروح المحبة.

س/ ما أبرز الفروقات التي لمستموها بين رمضان الأمس ورمضان اليوم من زاوية إعلامية واجتماعية؟
ج/ الفرق كبير جدًا. رمضان الأمس كان بسيطًا لكنه غني بالروح. التواصل بين الناس كان مباشرًا وقلوبهم مفتوحة. أما اليوم، فرغم وفرة وسائل الاتصال، أصبحت اللقاءات نادرة والعلاقات أقل عمقًا. أما إعلاميًا، فثمة تسطيح للمحتوى الرمضاني في بعض المنصات، وابتعاد عن المضامين التي تعزز القيم الرمضانية الأصيلة.

س/ من الشخصيات الإعلامية أو الرمضانية التي تركت أثرًا فيكم؟
ج/ كما ذكرت، الشيخ علي الطنطاوي كان من أبرز من تأثرت بهم. أسلوبه السهل الممتنع، وحكمته، وبصيرته، جعلته مدرسة في الإعلام الهادف. كنت أعتبر حديثه الرمضاني بمثابة “مقال صوتي” يتجاوز الزمن.

س/ ما رسالتكم لجيل الإعلاميين الجدد، في ظل تغير المفاهيم والقيم المجتمعية؟
ج/ رسالتي لهم أن يتذكروا أن الإعلام ليس فقط مهنة، بل رسالة. ورمضان فرصة عظيمة لنُعيد التوازن بين الشكل والمضمون، وأن نقدم محتوى يلامس روح الناس، ويعيد لهم الثقة بالكلمة الصادقة. فليكن الإعلام وسيلة لإحياء القيم لا تسويق المظاهر.

ختامًا، كان هذا الحوار مع الإعلامي القدير الأستاذ سعود بن علي الثبيتي رحلة ثرية في ذاكرة رمضان، واسترجاعًا دافئًا لمشاهد مضيئة صنعت وعينا الجمعي. في كلماته استشعار عميق لأهمية العودة إلى روح الشهر الكريم، واستحضار جوهره القائم على الصفاء والرحمة والصدق.
وإننا في صحيفة أضواء الوطن نتقدم بخالص الشكر والامتنان لأستاذنا الكبير على هذا اللقاء النابض بالحكمة والحنين، وعلى ما خصنا به من وقته الثمين.

‫4 تعليقات

  1. أجمل ماقرأت.. حوار شيق من قامة إعلامية
    شكرا لكم على هذا الطرح المفيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى