
مع اقتراب لحظات الإفطار في شهر رمضان المبارك، يعود بنا الزمن إلى أيام الصيام في الماضي، حيث البساطة كانت عنوان الحياة، والمجالس الرمضانية عامرة بالحكايات والمواقف التي تظل خالدة في ذاكرة من عاشها. الذكريات الرمضانية ليست مجرد سرد لأحداثٍ مضت، بل هي انعكاس لقيم مجتمعية راسخة، تجسدت في تفاصيل يومية عاشها السابقون بكل ما فيها من روحانية وألفة ومحبة.
ضيفنا اليوم شخصية لها حضورها الثقافي والإعلامي المميز، أثرى المشهد الأدبي والصحافي بمقالاته وكتبه، وكان شاهدًا على العديد من التحولات في المشهد الثقافي السعودي. إنه الأستاذ حمد بن عبدالله القاضي، أمين عام مجلس أمناء مؤسسة الشيخ حمد الجاسر الثقافية، وعضو مجلس الشورى السابق، الذي يشاركنا اليوم بعضًا من ذكرياته الرمضانية ومواقفه الطريفة والمؤثرة خلال هذا الشهر الفضيل.
الحوار
س: رمضان له مكانة خاصة في الذاكرة، كيف كانت أجواء رمضان في طفولتك؟
ج: كان رمضان في صغري مليئًا بالبساطة والجمال، وكنا ننتظر لحظاته بفارغ الصبر. ما زلت أتذكر عندما كنت طفلًا صغيرًا وذهبت مع والدي -رحمه الله- إلى جامع الشيخ محمد بن عثيمين لصلاة القيام، فغلبني النعاس وأنا ساجد ولم أفق إلا بعد انتهاء الصلاة! وعندما عدت إلى المنزل سألت أختي عن صلاتي، فأجاب والدي ضاحكًا: “طوّل الصلاة وحمد خاشع!”. كانت لحظة طريفة لكنها بقيت في ذاكرتي.
س: ذكرت الشيخ محمد بن عثيمين، هل هناك موقف معين ترك أثرًا في حياتك؟
ج: نعم، موقف لا أنساه أبدًا. كنت في الصف الثالث متوسط، وكان الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- يدرسنا مادة التفسير. في أحد الأيام، سألنا عن جواب شرط محذوف في آية كريمة، ولم يتمكن زملائي من الإجابة، لكنني بفضل الله أجبت على السؤال. فوجئت حينها بالشيخ و هو يهديني قلمًا، وقال لي: “الله يجعلك تكتب فيه كل خير”. لم أكن أعلم حينها أنني سأصبح كاتبًا وصحافيًا، لكن هذه الدعوة كانت من أجمل ما تلقيت، وكانت الهدية من أثمن ما حصلت عليه.
س: كيف كانت أجواء رمضان خلال مرحلة العزوبية؟
ج: كانت أيام العزوبية تحمل طابعًا خاصًا، وكنت أقضيها بين الأصدقاء والعمل الصحافي. كنا نجتمع كثيرًا على الإفطار، ونحرص على حضور المجالس الرمضانية الثقافية، حيث تكثر الحوارات والنقاشات حول الأدب والثقافة. كانت مرحلة مليئة بالتجارب والقصص التي أسترجعها اليوم بكل حنين.
س: بحكم عملك في الصحافة، هل هناك موقف رمضاني في مجال العمل الصحافي تتذكره؟
ج: في إحدى ليالي رمضان، كنت مشغولًا بإعداد مادة صحافية، وكان علينا تسليمها قبل موعد الطباعة بفترة وجيزة. فجأة انقطع التيار الكهربائي، ووجدت نفسي أمام خيارين: إما تأجيل الموضوع أو البحث عن حل سريع. لم أكن أملك سوى آلة كاتبة قديمة، فاضطررت إلى إعادة كتابة المادة بالكامل على ضوء شمعة. كان الأمر متعبًا، لكن في النهاية نُشر الموضوع، وشعرت بسعادة غامرة لأنني لم أستسلم للعقبات.
س: ما هي أجمل ذكرى رمضانية لا تزال حاضرة في وجدانك؟
ج: من الذكريات التي لا أنساها زيارتي لمقبرة عنيزة التي دُفنت فيها والدتي -رحمها الله-. كنت أريد أن أتحدث، أن أعبر عن مشاعري، لكن الكلمات خانتني، ولم أستطع قول شيء، فحضر في ذهني بيت شعر للمتنبي:
خرسٌ إذا نودوا كأن لم يعلموا
أن الكلام لهم حلالٌ مطلق
كان هذا البيت أصدق تعبير عن مشاعري في تلك اللحظة.
س: وأخيرًا، كيف ترى رمضان اليوم مقارنة بالماضي؟
ج: رمضان اليوم مختلف، فقد تغيرت العادات، لكن روحه لا تزال كما هي. رغم سرعة الحياة والتطور الكبير، إلا أن رمضان يبقى شهر الألفة والمحبة والروحانية، حيث تعود القلوب إلى الله، وتُضاء المجالس بذكره. أتمنى أن يستمر هذا الشهر المبارك في جمع القلوب وزرع القيم الجميلة في الأجيال القادمة.
خاتماً
شكراً للأستاذ حمد بن عبدالله القاضي على هذا الحوار الشيق الذي حملنا إلى أجواء رمضان في الماضي، و جعلنا نعيش معه بعضًا من أجمل لحظاته وذكرياته الرمضانية. رمضان سيبقى دائمًا شهر الذكريات التي لا تُنسى، سواء في الطفولة، أو في مرحلة العزوبية، أو حتى بعد مسيرة طويلة من العطاء والإنجاز.