أكدت هيئة كبار العلماء أن الالتزام باستخراج تصريح الحج، والتزام قاصدي المشاعر المقدسة بذلك، يتفق والمصلحة المطلوبة شرعًا. والشريعة جاءت بتحسين المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها. وأوضحت أنه لا يجوز الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح؛ ويأثم فاعله.
جاء ذلك في بيان أصدرته هيئة كبار العلماء اليوم، فيما يأتي نصه كاملاً:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبدالله ورسوله محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:
فلقد عظَّم الله -عز وجل- شعائر حج بيت الله الحرام ومشاعره؛ قال الله تعالى {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئًا وطهِّر بيتي للطائفين والقائمين والرُّكَّع السجود}، وقال سبحانه: {جَعَلَ الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم}. وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه” متفق عليه. ومن تعظيم الله -عز وجل- للمسجد الحرام أن كانت إرادة المعصية فيه سببًا للعقاب؛ قال الله تعالى {ومَنْ يُرد فيه بإلحادٍ بظلم نُذقه من عذاب أليم}. وقد أجمع أهل العلم على وجوب تعظيم حرمات الحرم، والتحذير من إرادة المعصية فيه وفعلها.
ولقد شرَّف الله -عز وجل- هذه البلاد الطيبة المباركة، المملكة العربية السعودية، قيادة وشعبًا، بخدمة الحرمين الشريفين؛ فقامت بمسؤوليتها هذه -بحمدالله- خير قيام، وتجلى ذلك في مشروعات التوسعة المتتالية، وتنفيذ البنى التحتية، وشق الطرقات والأنفاق، وغير ذلك مما يتصل بالخدمات المقدمة لقاصدي الحرمين الشريفين، في خطط مدروسة متكاملة، تستوعب حركة قاصدي الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة حجاجًا وعمارًا وزوارًا.
كما تجلى ذلك في الأنظمة والتعليمات التي تهدف إلى ترتيب استقبال الحجاج والعمار والزوار، وتنظيم حركتهم وتنقلاتهم؛ كي يؤدوا مناسكهم بكل يسر وسكينة وسلامة وأمان، منذ وصولهم إلى الحرمين الشريفين حتى مغادرتهم. وهذا لم يكن متيسرًا مع الأعداد المتزايدة المتكاثرة لولا فضل الله تعالى وتوفيقه، ثم هذا الجهد الكبير الذي تضطلع به حكومة المملكة العربية السعودية، التي لا تدخر جهدًا ولا مالاً ولا تنظيمًا لتحقيق غايات عليا لخدمة الإسلام والمسلمين، والحرمين الشريفين وقاصديهما.
وإن مما نظمته حكومة السعودية -أيدها الله- لهذه الغاية المقصودة شرعًا، وهي تيسير شعيرة الحج، أن ألزمت باستخراج تصريح الحج لمن أراد حج بيت الله الحرام، وحددت لذلك إجراءات مُعيَّنة لمن أراد الحصول على هذا التصريح.
وقد اطلعت هيئة كبار العلماء على ما عرضه مندوبو “وزارة الداخلية، ووزارة الحج والعمرة، والهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي” من تحديات مخاطر عند عدم الالتزام باستخراج التصريح. وإزاء ذلك توضح الهيئة الأمور الآتية:
أولاً: إن الالتزام باستخراج تصريح الحج مستند إلى ما تقرره الشريعة الإسلامية من التيسير على العباد في القيام بعباداتهم وشعائرهم، ورفع الحرج عنهم.. قال الله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، وقال الله تعالى: {يريد الله أن يخفف عنكم وخُلق الإنسان ضعيفًا}. وقال أهل العلم: “أي يريد الله أن يخفف عنكم في شرائعه وأوامره ونواهيه وما يقدره لكم”. وقال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}. قال ابن عباس رضي الله عنه: يعني من ضيق.
والإلزام باستخراج تصريح الحج إنما جاء بقصد تنظيم عدد الحجاج بما يُمكّن هذه الجموع الكبيرة من أداء هذه الشعيرة بسكينة وسلامة. وهذا مقصد شرعي صحيح، تقرره أدله الشريعة وقواعدها.
ثانيًا: الالتزام باستخراج تصريح الحج، والتزام قاصدي المشاعر المقدسة بذلك، يتفق والمصلحة المطلوبة شرعًا. والشريعة جاءت بتحسين المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها؛ ذلك أن الجهات الحكومية المعنية بتنظيم الحج ترسم خطة موسم الحج بجوانبها المتعددة، الأمنية، والصحية، والإيواء والإعاشة، والخدمات الأخرى، وفق الأعداد المصرح لها، وكلما كان عدد الحجاج متوافقًا مع المصرح لهم كان ذلك محققًا لجودة الخدمات التي تُقدَّم للحجاج، وهذا مقصود شرعًا. قال الله تعالى: {وإذا جعلنا البيت مثابة للناس وأمنًا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى. وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طَهِّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود}. فالتزام مريدي الحج بالتصريح يحقق مصالح جمة من جودة الخدمات المقدمة للحجاج في أمنهم وسلامهم وسكنهم وإعاشتهم، ويدفع مفاسد عظيمة من الافتراش في الطرقات الذي يعيق تنقلاتهم وتفويجهم، وتقليل مخاطر الازدحام والتدافع المؤدية إلى التهلكة.
ثالثًا: إن الالتزام باستخراج التصريح للحج هو من طاعة ولي الأمر في المعروف. قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك”. أخرجه مسلم. وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصا الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني” متفق عليه. والنصوص في ذلك كثيرة، وكلها تؤكد وجوب طاعة ولي الأمر في المعروف، وحرمة مخالفة أمره. والالتزام باستخراج التصريح من الطاعة في المعروف، يثاب مَن التزم به، ويأثم مَن خالفه؛ ويستحق العقوبة المقررة من ولي الأمر.
رابعًا: اطلعت الهيئة على الأضرار الكبيرة والمخاطر المتعددة حال عدم الالتزام باستخراج التصريح؛ ما يؤثر على سلامة الحجاج وصحتهم، وعلى جودة الخدمات المقدمة للحجاج، وعلى خطة تنقلاتهم وتفويجهم بين المشاعر، وعلى غير ذلك مما يتصل بمنظومة الخدمات المقدمة للحجاج؛ وذلك يوضح أن الحج بلا تصريح لا يقتصر الضرر المترتب عليه على الحاج نفسه، وإنما يتعدى ضرره إلى غيره من الحجاج الذين التزموا بالنظام. ومن المقرر شرعًا أن الضرر المتعدي أعظم إثمًا من الضرر القاصر. وفي الحديث المتفق عليه عنه صلى الله عليه وسلم: “المسلم مَن سَلِم المسلمون من لسانه ويده”. وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: “لا ضرر ولا ضرار” رواه أحمد وابن ماجة.
وبناء على ما سبق إيضاحه فإنه لا يجوز الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح؛ ويأثم فاعله؛ لما فيه من مخالفة أمر ولي الأمر. وما صدر إلا تحقيقًا للمصلحة العامة، ولاسيما دفع الإضرار بعموم الحجاج. وإن كان الحج حج فريضة، ولم يتمكن المكلف من استخراج تصريح الحج، فإنه في حكم غير المستطيع؛ قال الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}، وقال سبحانه: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً}.
ونوصي جميع المسلمين بتقوى الله تعالى، والوصية كذلك لمريدي حج بيت الله الحرام بأن يتقوا الله عند أداء هذه الشعيرة العظيمة بأن يصونوا حجهم عما حرم الله عليهم من الرفث والفسوق، وأن يستقيموا على طاعة الله، ويتعاونوا على البر والتقوى؛ حتى يكون حجهم مبرورًا، وسعيهم مشكورًا. والحج المبرور هو الذي سَلِم من الرفث والفسوق والجدال بغير الحق؛ كما قال تعالى: {الحج أَشْهُرٌ معلومات فمن فرض فيهن الحجة فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}. ولا شك أن التزام الحاج بالأنظمة والتعليمات التي صدرت للتمكين من أداء هذه الشعيرة بأمن ويُسر وسكينة داخلٌ في تقوى الله في أداء نسك الحج، وفي تعظيم حُرم الله وحرماته ومشاعره؛ قال الله تعالى: {ذلك ومَن يُعظِّم حرمات الله فهو خير له عند ربه}، وقال سبحانه: {ذلك ومَن يُعظِّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}.
ونسأل الله تعالى أن ييسر للحجاج حجهم، وأن يحفظهم في حلهم وترحالهم، وأن يجزي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وحكومتهما خير الجزاء؛ لما يقدمون من جهود وخدمات جليلة في سبيل أداء المسلمين مناسكهم بيسر وطمأنينة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ (رئيسا)
معالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان – عضوًا
الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ – عضوًا
معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي – عضوًا
معالي الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع – عضوًا
معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد – عضوًا
معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى – عضوًا
معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد المطلق – عضوًا
معالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري – عضوًا
معالي الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الكلية – عضوًا
معالي الشيخ سعود بن عبدالله المعجب – عضوًا
معالي الشيخ الدكتور محمد بن حسن آل الشيخ – عضوًا
معالي الشيخ الدكتور يوسف بن محمد بن سعيد – عضوًا
معالي الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي – عضوًا
معالي الشيخ الدكتور جبريل بن محمد بن حسن البصيلي – عضوًا
معالي الشيخ الدكتور عبدالسلام بن عبدالله بن محمد السليمان – عضوًا
معالي الشيخ الدكتور غالب بن محمد حامضي – عضوًا
معالي الشيخ الدكتور سامي بن محمد الصقير – عضوًا
معالي الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة – عضوًا