أمّ المسلمين لصلاة الجمعة في المسجد النبوي فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالله البعيجان واستهل فضيلته خطبته الأولى عن عزة الإسلام ونصرة أهله وابتلاء المومنين فقال: إن الإسلام دين العزة و النصر و التمكين، دين الرحمة والرأفة والرفق واللين، دين الحق و الصدق و العدل و اليقين، دين السعادة و الفلاح و الفوز في الدارين ختم الله به الرسالات، ونسخ به الملل والديانات، وجعله طريق العزة و النجاة، ومفتاح الجنات، ووسيلة الأمن والاستقرار والاستخلاف والتمكين في هذه الحياة.
إن الله سبحانه وتعالى هو القاهر المدبر، له الأمر من قبل ومن بعد، وإليه ترجع الأمور، {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ }، لا مبدل لكلماته، ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، وقد كتب الغلبة والنصر لدينه وأوليائه،فقال: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }.
ووعد أولياءه بالنصر والتمكين، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}.
و قد كتب الله الخزي والذلة والصغار على من حارب دينه، وظلم أولياءه، قال تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ* فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ } .
إن الله تعالى يبتلي المؤمنين اختبارا وتمحيصا ثم يجعل لهم العاقبة، قال تعالى:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ , وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }،
واختتم فضيلته خطبته الأولى عن الصراع بين الحق والباطل وتأخر النصر فقال : وفي خِضم الابتلاء و الصراع بين الحق والباطل قد يبطئ النصر على المؤمنين فيعظم الخطب، ويشتد الكرب ، ويتأخر الفرج، حتى تخيم ظنون اليأس والقنوط ثم يأتي نصر الله، قال الله تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }.
وعن صهيب بن سنان رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ].
وتحدث فضيلة البعيجان في خطبته الثانية عن سنة صراع الإيمان والكفر فقال : الصراع بين الإيمان والكفر سنة من سنن الله، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} و منذ بزوغ فجر الإسلام وأعداؤه الكفرة له بالمرصاد يتربصون به في كل حاضر وباد ويتحالفون عليه بالجموع والأعداد، لكن الله تكفل بحفظ دينه وأوليائه، وجعل دائرة السوء على أعدائه {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ، لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}.
إن الله تعالى يمهل ولا يهمل، يملي للكفرة الظالمين، وينتقم للمظلومين، قال تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}، وقال: {وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ }، وقال: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا * إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} فتأخر عقاب الله وبطشه بكفرة الظالمين لحكمة بالغة، وليس إكراما لهم أو نسيانا عنهم، {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ۗ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ}.
فأحسنوا الظن بالله، و استمسكوا بدينكم واعتصموا بوحدتكم وكونوا يدا على عدوكم واسمعوا وأطيعوا لولاة أمركم وأسالوا الله الثبات على دينكم فان لدينكم عليكم واجباً فأدوه ، ولأمتكم عليكم حقاً فوفوه، واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه.