كل ما يجري في الغرب من مناوشات كبرى ما هو إلا نتيجة الهوة العميقة بين الثقافتين الغربية والشرقية معاً، لكن الآن لا مجال لمزيد من الانتظار في ظل قدرة الجماعات الصغيرة على التأثير في بِنى الدولة.
لقد أظهرت الاحتجاجات التي عصفت بفرنسا، خلال الأيام الماضية، أن ما يجري ليس ردة فعل على أخطاء الشرطة التي قتلت الشاب نائل المرزوقي، وأن كل ما يجري في فرنسا من ردة فعل على سلوك الحكومة، هو أمر مبالغ فيه وصل إلى درجة التحريض على القتل، وهو تطور خطير على الأرض الفرنسية.
ما كل هذا الانتقام ؟
بعيداً عن قصة نائل وتفاصيلها التي أصبحت معروفة للجميع، هل يستحق الأمر كل هذا الانتقام من فرنسا!؟. لماذا يكرهون فرنسا!؟ هؤلاء الذين يعبثون بوسط العاصمة (باريس) ومعظمهم يحملون الجنسية الفرنسية!؟ ماذا فعلت فرنسا بهذا الجيل المهاجر حتى ينهار كل هذا الحقد.. نحن وفرنسا، أيضاً، بحاجة فعلاً إلى إجابات لفهم ما يجري!.
قبل أيام، وقعت في ألمانيا حادثة مريعة بين مهاجرين من العشائر السورية في ألمانيا وبين عشائر كردية أخرى، تحولت إلى أعمال شغب متبادلة على منشآت الطرفين فقط، صحيح أن بعض المرافق الحكومية الألمانية تضررت لكنها لم تكن الغاية، استطاعت، خلال أيام، الشرطة الألمانية السيطرة على هذا الاقتتال، وانتهى بعد أيام دون إصابة أيٍّ من أفراد الشرطة بالأذى.
مر الأمر في ألمانيا مرور الكرام، لكنَّ فرنسا ذاقت المر خلال الأسبوع الماضي، دفعت فاتورة مئات السنين بأثر رجعي، لكن ألمانيا نجت من هذه الفوضى؛ لأنها لم تكن دولة استعمارية، وتاريخها الاستعماري صفر في العالم العربي وإفريقيا، نعم هذه هي الحقيقة، البعض ينتقم من التاريخ ليس إلا.. لكن التاريخ ولّى.
المثير في احتجاجات فرنسا، هو حجم الهجوم عليها واعتبارها الدولة العنصرية الأولى على مستوى العالم، بل يتحدث البعض عن منهجيةٍ فرنسيةٍ لا آدمية حيال المهاجرين؛ الذين يملأون فرنسا في كل مكان، لقد تفجّر الغضب وانهار التراكم وهي لحظة ليست سهلة على الإطلاق في التأثير الاجتماعي السياسي في فرنسا.
لكن الحبل السري في أزمة فرنسا هو اجتماع كل الحركات والتيارات على الوقوف ضد الحكومة ونهج الدولة الفرنسية، بعيداً عن مصداقية أي طرف، لكن الهجمات المركزة على المستوى الإعلامي والاجتماعي داخل فرنسا كان لافتاً، فقد خرج المئات؛ رجالاً ونساء، خلال الأيام الماضية، وهم يشتمون ويقفون ضد الحكومة الفرنسية، علماً أنهم يحملون الجنسية والإقامة في فرنسا، وإذا كانت، فعلاً، ليست المكان المناسب لهذه التيارات، فلماذا تقيمون فيها!؟
خطورة خلط الأوراق
فرنسا لها تاريخ استعماري كبير في العالم، وخصوصاً في الشرق الأوسط وإفريقيا، اليوم بعد أن حسنت هذه الإمبراطورية الاستعمارية من قوانينها، تحولت هذه القوانين إلى محاولة لمحاسبة الدولة على يد أبناء الدولة ذاتهم، لكن المهاجرين منهم، وهنا يكمن الخطر على فرنسا من مزج كل الأوراق ودخول الخط الديني، خصوصاً التيارات المتلونة التي تظهر في الظلام والأزمات.
بكل تأكيد فرنسا بحاجة إلى تغيير جوهري وجذري في عقلية التعامل مع المهاجرين، ولا تكتفي بسمعة «عطورات باريس»، التي تبخرت سريعاً؛ بسبب موجات العنصرية والتهميش الحكومي في كثير من الأحيان، فرنسا كدولة كبيرة وأوروبية تربطها علاقات بكل دول العالم الإسلامي والغربي، تحتاج إلى مراجعة من نوع آخر، حتى لا تكون قلعة التواصل الغربي الشرقي في خطر، عندها سيكون الكل في خطر، وسيكون لذوي التيارات الدينية ساحة واسعة يمكنهم أن يلعبوا بها، وتمتد موجات الكراهية والعنصرية.