قال محللون ومسؤولون تنفيذيون إنه رغم تدفق الأموال على شركات التنقيب عن النفط بعد تحقيقها أرباحاً قياسية في العام الماضي، فمن غير المرجح أن يزيد المنتجون الأمريكيون إنتاجهم من النفط بالسرعة الكافية لتعويض التخفيضات المفاجئة للتي أعلنها تحالف “أوبك+”.
ولا تظهر إدارات هذه الشركات أي إشارات على أنها ستكسر الاتجاه الذي تبنته على مدى ثلاث سنوات في تحديد أولويات توزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم، عبر القيام بعمليات حفر جديدة. حتى لو أنها أرادت ضخّ المزيد من النفط، فإن النقص في مواقع آبار الدرجة الأولى، إضافة إلى النقص في عدد العمال والمعدات، سيحدّ من قدرتها على ذلك. وكل ذلك يعني أن النفط الصخري الأمريكي، لم يعد تلك القوة “المدمرة” في أسواق النفط العالمية، كما كان عليه الأمر في السنوات العشر التي سبقت جائحة كورونا.
وقال بريندان مكراكين، الرئيس التنفيذي لشركة “أوفينتيف” (Ovintiv Inc) التي تنتج النفط في حوض بيرميان في الولايات المتحدة: “لا توجد استجابة منسقة لدى منتجي النفط هنا.. منذ سنوات عدة، ونحنا هنا كغيرنا من الشركات، ندير أعمالنا بهدف تحقيق العائدات والحصول على تدفقات نقدية حرة، وهذا لن يتغير سواء على المديين القصير أو الطويل”.
ويبلغ معدل نمو الإنتاج في الولايات المتحدة أقل من نصف المستوى الذي كان عليه قبل عام 2020، رغم عودة إجمالي الإنتاج إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا. تشير أبرز التوقعات إلى زيادة الإنتاج من حوض بيرميان بمقدار 500 ألف برميل فقط يومياً أو نحو ذلك خلال العام الجاري، علماً أن هذا الحوض يعتبر حقل النفط الصخري الأسرع نمواً في الولايات المتحدة. وهذا يعني أن النمو المتوقع، يظل أقل من نصف تخفيضات الإنتاج التي أعلن عنها تحالف “أوبك+” يوم الأحد، والتي تتجاوز المليون برميل يومياً، بحسب “بلومبرغ”.
وقال المتداول والملياردير، جون أرنولد، المقيم في مدينة هيوستن بولاية تكساس، في تغريدة على “تويتر”، إن “خفض (أوبك) كان ممكناً، فقط لأن قطاع النفط الصخري الأمريكي لا يمتلك الرغبة / أو أنه غير قادر على النمو بالمعدل ذاته الذي كان عليه خلال الفترة بين 2016 و2020”. وأضاف: “مع تمتع المعروض بمرونة أقل بكثير في السوق اليوم، فإن (أوبك) أقل قلقاً بشأن فقدان حصتها في السوق إذا ما تحرّكت للدفاع عن ارتفاع الأسعار”.
ويتناقض الوضع الحالي بشكل حاد مع ما كان عليه في معظم سنوات العقد الماضي، عندما كان النفط الصخري الأمريكي شوكة في خاصرة “أوبك”، حيث كانت تُستخدم الأموال الرخيصة لإعادة تنشيط حقول النفط القديمة التي كان من المفترض أن يجري استغلالها باستخدام تقنيات التكسير الهيدروليكي الجديدة. وقد أضاف النمو الكبير لقطاع النفط الأمريكي، كميات ضخمة من النفط الخام إلى الأسواق العالمية منذ عام 2012 وحتى بلوغ ذروة هذه الكميات في عام 2020، والتي بلغ حجمها الإجمالي، ما يعادل الإنتاج الحالي للعراق وإيران مجتمعين. وأثار ذلك غضب منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفائها، الذين رأوا أن مكانتها في السوق باتت مهددة أكثر من أي وقت مضى، بحسب “الشرق”.
ولكن هذا النمو الكبير لإنتاج النفط في الولايات المتحدة، لم يقدّم أي شيء يذكر للمساهمين في الشركات النفطية، والذين رأوا أن المديرين التنفيذيين يزيدون الديون بشكل روتيني في الوقت الذي يضخون فيه المزيد من الأموال في آبار جديدة. ومن هنا، أدى انخفاض الطلب على النفط خلال فترة الجائحة إلى إفلاس العديد من شركات التنقيب الأصغر حجماً، فيما تعهّدت الشركات الناجية بعدم تكرار استراتيجية مطاردة زيادة الإنتاج، بأي ثمن.
في العام الماضي، عندما قفزت أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وُضع النظام الجديد على المحك، لكنّه تمكّن من الصمود. رفض المسؤولون التنفيذيون في الشركات تسريع خطط الإنتاج رغم المناشدات اليائسة من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن. وقد تبيّن في نهاية المطاف أنهم على صواب، حيث حققوا أرباحاً قياسية، حتى مع انخفاض الأسعار في النصف الأخير من العام.
وقال بيتر ماكنالي، الرئيس العالمي للطاقة في “ثيرد بريدج” (Third Bridge)، مزود معلومات السوق: “من غير المرجح أن تسدّ الولايات المتحدة فجوة (أوبك) في أي وقت قريب.. لقد عاقبت سوق الأوراق المالية هؤلاء المنتجين الذين التزموا بخطط إنفاق أكثر تشدّداً”.