خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته قائلًا: ذكر الله تعالى من أفضل القربات، وأجل الطاعات، وأعظم العبادات، ومن الباقيات الصالحات، به ترفع الدرجات وتضاعف الحسنات، وتمحى السيئات، قال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} ، وأعظم الذكر عند الله وأزكاه، كلمة التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فهي شعار الإسلام والفيصل بين أهل الشرك والإيمان، وهي مفتاح الجنة وثمنها وهي معراج العباد إلى ربهم لأجلها خلق الخلق، وأرسل الرسل، وأنزلت الكتب، قال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}.
وأكمل فضيلته: كلمة التوحيد حصن الإسلام، بها يعصم المرء دمه وماله وعرضه، فعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ ” متفق عليه، وهي أول ركن من أركان الإسلام ودعائمه الخمس، فعن عَبْدِ اللهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجَ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» متفق عليه.
وأضاف فضيلته: أعظم شيء انعقد عليه القلب ونواه وقصده العبد وعمل بمقتضاه، وأفضل كلمة نطقت بها الشفاه، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فهي سبب السعادة والنجاة، وفوز العبد في دنياه وأخراه، وهي شرط قبول الأعمال وأزكاها عند الله، وأعظم الأعمال، وأفضل الأقوال، وأزكاها ثوابا في المال، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَرِيزٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ» رواه مالك، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما :قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ نُوحًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ: إِنِّي قَاصٌ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ: آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَن اثْنَتَيْنِ، آمُرُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ، لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ، رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ، كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً، قَصَمَتْهُنَّ لا إله إلا الله، وأوصيك بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشرك والكبر» رواه أحمد.
وقال فضيلته: بذكر الله ترتاح القلوب، وتنزاح المتاعب والكروب، وتمحى المعاصي والذنوب، {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
أكثروا من ذكر الله، واحرصوا على ملازمة لا إله إلا الله، فهي أزكى الأعمال عند الله، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : ” مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابِ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةٌ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ، يَوْمَهُ ذَلِكَ، حَتَّى يُمسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذلك” رواه مسلم.
ما عمل عبد عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله، ولن يخلد في النار من قال لا إله إلا الله، مخلصا بها يبتغي وجه الله، فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُها عَبْدٌ حَقًّا مِنْ قَلْبِهِ فَيَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ». “وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلَّا الله” رواه الحاكم.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: أوفر الناس حظًا يوم القيامة من ظفر بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الشافع المشفع، وأولى الناس بتلك الشفاعة من قال لا إله إلا الله مخلصا وموقنا بها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: “أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ” رواه البخاري، وبعد عباد الله فكلمة التوحيد هي خاتمة المسك، بها يختم المؤمن عمله، ويقضي أجله، ويودع أهله، ويلقنه من حوله، ليلقى الله بها، فعن أبي سعيد الخُدْرِيَّ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقِنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» رواه مسلم، وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ، أو وجبت له الجنة» رواه الحاكم.