بعد أن حمد الله عز وجل بدأ خطبته قائلاً: أيها المسلمون:التطهر من الرذائل والتلبس بالفضائل شأن الكمّل، ومن الرذائل المهلكة داء الحسد، والحسد داعية النكد ومطية الكمد وعلامة الشؤم واللؤم وحدّ الحسد: أن يرى الرجل لأخيه
نعمة فيتمنى أن تزول عنه وتكون له دونه ويُعرف الحاسد باللحظ واللفظ ورب لحظ أنمّ من لفظ، وللحاسد ثلاث علامات: يتملّق إذا شَهِد، ويغتابُ إذا غابَ، ويَشمتُ بالمصيبة.
وحاسد النعمة لا يرضيه إلا زوالها ولا يسره إلا انتقالها لا يرضى بقضاء، ولا يقنع بعطاء إذا نظر إلى من فوقه في علم أو في خُلُق، أو خَلقٍ، أو مال، أو أي خصلة من خصال التفضيل اعترض على الله في مشيئته واغتاظ من فضل الله وقسمته، لا يرى قضاء الله عدلاً، ولا لنعمه من الناس أهلاً يكره نعمته ويجهل حكمته ويسعى بالبغي على من أنعم الله عليه، ويمضي في المكر بمن أحسن الله إليه.
قال الأصمعي: ” سمعت أعرابياً يقول ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد حزن لازم، وتعس دائم، وعقل هائم وحسرة لا تنقضي.
وقال أبو الليث السمرقندي: ” يصل إلى الحاسد خمس عقوبات، قبل أن يصل إلى المحسود مكروه أولها: غم لا ينقطع، والثاني مصيبة لا يؤجر عليها، والثالث مذمة لا يُحمد بها، والرابع يسخط عليه الرب، والخامس تُغلق عليه أبواب التوفيق.
وأكمل فضيلته: ومن غوائل الحسد تنقيص العمر وتشتيت الفكر قال ابل المعتز:” الحسد داء الجسد، وقال الاصمعي: ” رايت شيخاً بالبادية قد سقط حاجباه على عينيه وله مائة وعشرون سنة وفيه بقية فسألته، فقال: تركت الحسد فبقي الجسد.
ومن زكت نفسه وسمت لم يجد في نفسه حزازة و غيظاً و حسداً على ذي نعمة وانظر إلى السادة الأنصار أهل المواساة والإيثار أعز قبائل العرب جاراً، ومن اتخذ الرسول عليه الصلاة و السلام دارهم أمناً وقراراً رضي الله عنهم الذين أثنى الله عليهم بقوله (ولا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهم حَاجةً مِما أُوتُوا) أي: ولا يجدون في أنفسهم حسداً للمهاجرين فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف، والتقديم في الذكر والرتبة.
والحسد من الذنوب العظام والكبائر الجسام لأنه يأكل الحسنات ويديم الحسرات ويعدم الراحات قال صلى الله عليه وسلم (إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)
وأضاف فضيلته: فلم يزل ذو الفضل محسوداً، وبالأذى مقصوداً وكلما كثر الفضل كثر الحسّاد وكلما كانت فضيلة الإنسان أتم وأكمل كان حسد الحاسدين عليه أعظم فتتجه إليه أنظار الحسدة وتنوشه عيون الصغار المفاليس وتصوب إليه سهام المتربصين، ومن لمع نجمه وارتفع سهمه واشتهر اسمه تألب عليه الحسّد و تواطأ عليه الشانئون لأن المنزلة الرفيعة وعلو الصيت تثير الضغائن وتبعث الأحقاد قال ابن القيم: «وقد شاهد الناس عياناً أن من عاش بالمكر مات بالفقر» .
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: ومن أعجبه شيء من حاله أو ماله، أو ولده، أو غيره فليذكر الله وليبرك، والتبريك: الدعاء للإنسان أو غيره بالبركة، يُقال برّكت تبريكاً، أي قلت له بارك الله عليك وبارك لك وبارك فيك، أي وضع فيك البركة وثبتها وأدامها وأفاضها وضاعفها، والبركة لكونها خالصة تتعدى باللام ولكونها نافذة تتعدى بالفاء ولكونها نازلة من السماء تتعدى بعلى تصويراً لصبّ البركات وإفاضتها من السماء.