منذ نهاية الحرب الباردة، حرصت الولايات المتحدة إلى جانب حلفائها الغربيين، على استخدام سياسة الاحتواء الاقتصادي للخصوم، في مسعى إلى جعلهم يخافون من الإقدام على مغامرات تعرض مصالحهم الحيوية للخطر، لكن جدوى هذه “الصيغة المُهادنة” صارت مثار نقاش، خلال الآونة الأخيرة.
في إطار هذه السياسة، سارت ألمانيا نحو تشجيع واردات النفط من روسيا، لأكثر من عقد، رغم استمرار خلافات سياسية مع موسكو، فيما زادت الولايات المتحدة تعاونها التجاري مع الصين التي تحولت إلى أكبر مصدر في العالم.
وطيلة عقود من الزمن، بدا كما لو أن الغرب راض عن سير الأمور، لأنه اعتقد أن الخصوم الذين صاروا شركاء تجاريا، لن يقدموا على مغامرات تنسف مصالحهم، لكن هذا التقدير لم يكن صائبا إلى حد كبير، أو ذاك ما ظهر على الأقل بعد بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 من فبراير الماضي.
ونشر الباحث والأستاذ في العلاقات الدولية بجامعة “ويسترن واشنطن”، إدوارد ألدين، تحليلا في صحيفة “نيويورك تايمز” حول “إخفاق” سياسة احتواء الخصوم، من خلال إدماجهم في الدورة الاقتصادية، وذلك عبر الاعتقاد بأن العولمة تجلب السلام.
من الأمثلة على ذلك، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، قرر المضي قدما في خياره العسكري بأوكرانيا، رغم تحذيرات غربية بعزل موسكو اقتصاديا عن العالم، والتلويح بكافة الخيارات المتاحة من أجل خنقها اقتصاديا.
“فشل كارثي”؟
يشرح الأكاديمي الأميركي أن الصين بدورها لم تقرر الاستكانة، ولم تخش كثيرا على مصالحها الاقتصادية مع الغرب، لأنها تحركت في هونغ كونغ وفرضت واقعا سياسيا هناك، فيما تتزايد الرسائل العسكرية من بكين إلى تايوان.
وأردف الباحث أن الصين دخلت أيضا في “تحالف” مع روسيا، من أجل الوقوف في طريق النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وأشار إدوارد ألدين إلى أن الأموال التي جناها هؤلاء القادة المناوئون للولايات المتحدة، بفضل زيادة التعاون التجاري وتدفق الاستثمارات، كانت بمثابة حافز لهم حتى يتحدوا الغرب، ثم تساءل الباحث “هل كان الإدماج الاقتصادي بمثابة فشل كارثي؟”.
وتقوم فكرة “السلام الرأسمالي” على أن المصالح الاقتصادية تؤدي بشكل طبيعي إلى الابتعاد عن الحرب، لكن هذا الاعتقاد كان متفائلا، بحسب الباحث الأميركي.
وكان القادة الغربيون يأملون أن تؤدي “الحيوية الاقتصادية” مع الخصوم، إلى نشوء طبقة متوسطة لديهم، وعندئذ، ستطالب بإصلاحات سياسية تؤدي إلى الديمقراطية، وهذا المسار أطلق عليه الألمان عبارة “التغيير عن طريق التجارة”.
ونمت التجارة بين ألمانيا وروسيا، بنحو 6 في المئة سنويا، بين سنتي 1995 و2021، بينما وصلت تجارة الاتحاد الأوروبي مع الصين إلى 2828 مليار دولار، خلال السنة الماضية.
وتظهر الأرقام الاقتصادية أن التجارة القائمة بين الاتحاد الأوروبي والتنين الصيني، صارت أكبر من رقم التجارة المسجل بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وفي سنة 2005، قال روبرت زوليك، الذي كان نائبا لوزير الخارجية خلال إدارة جورج بوش الابن، إن توجه إدماج الصين في الاقتصاد العالمي نجح بشكل ملحوظ، لأن المفترض، هو أن ترى بكين مصلحة لها في التعاون مع واشنطن، من أجل صون مصالحها الوطنية ورسم مستقبل النظام العالمي.
وسرى الاعتقاد لفترة أن الصين وروسيا قررتا فعلا أن تحدثا تغييرا في نهجهما، فبدا في التسعينيات أن الصين تسير نحو إصلاحات، بينما رحب فلاديمير بوتن بالاستثمارات الأجنبية عقب انتخابه رئيسا للبلاد سنة 2000، لكن النمو الاقتصادي لم يظل بمثابة الأولوية القصوى لدى كل من بوتن ونظيره الصيني، تشي جين بينغ، بحسب الباحث الأميركي.
ويرى الخبير الأميركي، أن رئيسي الصين وروسيا صارا يعتقدان أنهما في مهمة تاريخية لأجل استعادة عظمة البلدين، فيما اعتقد قادة الغرب أن بكين وموسكو لن تستطيعا كبح جماح الرأسمالية.
وإذا كانت روسيا قد تكبدت خسائر اقتصادية فادحة من جراء العقوبات الغربية، فإن الوضع سيكون مختلفا على الأرجح إزاء الصين التي تقوت بفضل التعاون مع الغرب، في حال نشوب نزاع، لأن الصين أقوى اقتصاديا ولها استثمارات هائلة في الدول الغربية.
ويرى الباحث أن بوسع الصين أن تكون أكثر إيلاما في الرد على الغرب، إذا جرى استهداف التنين بالعقوبات الاقتصادية، لا سيما أن اقتصادها أكثر تنوعا ويشمل صناعة أجزاء حيوية ومتقدمة في التقنية.
فضلا عن ذلك، يحتاج الغرب إلى السوق الاستهلاكية الضخمة في الصين، نظرا لكون البلد الآسيوي الأكثر سكانا في العالم، وهذا تحديدا مع دفع الشركات الأميركية إلى ممارسة ضغط من إدخال بكين لمنظمة التجارة العالمية في سنة 2001.