يواجه المشترون الأوروبيون، الجمعة، الموعد النهائي لبدء سداد قيمة الغاز الروسي بالروبل، ومن يتخلف عن الدفع سيعتبر مُخلا بالعقود الحالية، بكل ما يترتب على ذلك من تداعيات، كما تقول موسكو.
ويرى خبراء أن القرار يأتي في سياق محاولات موسكو دعم اقتصادها وعملتها، بعد العقوبات الغربية التي فرضت إثر الحرب في أوكرانيا، مشيرين إلى أن الخسائر والأرباح المتوقعة موزعة على الطرفين.
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، وقّع الخميس مرسوما رئاسية يتعلق بـ”آلية سداد ثمن الغاز المُورّد للدول غير الصديقة”، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي.
وقال بوتن: “في حال عدم التزام الدول المذكورة بنظام المدفوعات الجديد، فسنعتبر ذلك تخلفا منها عن أداء التزاماتها بموجب العقود الحالية بكل ما يترتب على الأمر من عواقب”.
ولم يخف البعض استغرابه من السرعة التي أعلن بها بوتن عن المرسوم، إذ إن ما سبقه كان يشي بوجود فترة انتقالية ممهدة على الأقل.
وكانت روسيا تبيع الغاز بالعملات الصعبة مثل الدولار واليورو، وتقول الدول الأوروبية إنه من الصعب تغيير نصوص العقود بين عشية وضحاها.
الرد على العقوبات
ويأتي قرار بوتن في سياق رد موسكو على العقوبات الأوروبية، على خلفية الحرب في أوكرانيا، التي تشملت تجميد الأوروبيين لنصف احتياطيات المصرف المركزي الروسي.
وقال المسؤول في وزارة الخارجية الروسية، نيكولاي كوبرينيتس: “لن تظل أفعال الاتحاد الأوروبي بدون رد… العقوبات غير المسؤولة التي تفرضها بروكسل تؤثر سلبا بالفعل على حياة الأوروبيين العاديين اليومية”، وفق “رويترز”.
وبموجب المرسوم الجديد سيتعين على الدول الغربية فتح حسابات بالروبل في المصارف الروسية.
تعافي الروبل
ويقول الكاتب السياسي الروسي، يفغيني سيدوروف لـ”سكاي نيوز عربية: “أرى القرار موضوعيا ومنطقيا، فقد خرج من عباءة التطورات الأخيرة، حيث كانت العملة الوطنية في حالة سقوط حر مقابل أسعار العملة الأجنبية التي قفزت بشكل غير مسبوق”.
وأضاف سيدوروف أنه كانت هناك ضرورة لـ”كبح ما يحدث ليس عبر إجراءات إدارية بل اقتصادية، ويبدو ان بوتن وجد آلية لذلك”.
وفقد الروبل الروسي أكثر من 40 بالمئة من قيمته، إثر العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا.
وقبل أن يدخل قرار شراء الغاز الروسي بالروبل، تعافى الأخير من ضربات العقوبات الغربية، ففي آخر جلسة تداول في اليوم الأخير من مارس صعدت العملة الروسية.
ووصل الروبل الخميس إلى 83 مقابل الدولار الواحد، بعد أن وصل في مطلع مارس إلى 150 مقابل الدولار الواحد.
وتساءلت تقارير غربية: “هل العقوبات ناجحة، وذلك بعد أن تعافى الروبل بشكل شبه تام من العقوبات؟”.
وذكر موقع “فورشن” أن بوتن اتخذ سلسلة إجراءات عملت على انتشال الروبل من أزمته، مثل رفع أسعار الفائدة، علاوة على قيود صارمة تتصل تبديل العملات. وساهمت محادثات السلام في إسطنبول رفع قيمة العملة المحلية.
وقال الموقع إن انتعاش الروبل يظهر أن العقوبات الغربية ليست ناجحة بالشكل المطلوب.
صعوبات الدفع
ويبدو أن قرار بيع الغاز بالروبل يأتي في سياق دعم الروبل وإمدادات الغاز، التي هي شريان حياة للاقتصاد الروسي، فهي تمثل عمليا نصف الميزانية الفيدرالية في روسيا.
ويتم دفع 60 بالمئة من أثمان الغاز الروسي باليورو والبقية بالدولار الأميركي، وسيعتين على المشرتين البحث عن بنك روسي لفتح حساب فيه للدفع بالروبل، وذلك الإجراء سيكون مرهقا، لأن البنوك الروسية معزولة عن نظام “سويفت” المالي العالمي، الذي يسهّل تدفق المدفوعات.
ومع ذلك، هناك بنوك روسية لم تطالها العقوبات.
وتهدد الخطوة الروسية الأخيرة أكثر من ثلث إمدادات الغاز للقارة الأوروبية، وخاصة ألمانيا التي تعد أكثر الدول الأوروبية اعتمادا على الغاز الروسي. وتقول برلين إن الأمر ينطوي “على ابتزاز”.
وتحدثت الحكومة الألمانية عن خطة طوارئ، تشمل تقنينا لاستخدام الغاز، وهو ما قد يلحق أضرار بحياة الناس العاديين واقتصاد البلاد على حد سواء، في حال عدم الوصول إلى اتفاق.
الالتفاف على العقوبات
ويقول إسوار براساد، أستاذ السياسة التجارية بجامعة كورنيل والمسؤول السابق في صندوق النقد الدولي لشبكة “آيه بي سي نيوز” الأميركية إن دفع روسيا مقابل الغاز بعملتها سيساعد في أفضل الأحوال بشكل محدود في الالتفاف على العقوبات المالية، ودعم قيمة الروبل وحماية الاقتصاد الروسي.
وأضاف: “سيكون من الأرخص على المستوردين الأجانب أن يدفعوا ثمن صادرات روسيا بعملة تنهار من حيث القيمة، لكن من الصعب الحصول على الروبل وتسديد المدفوعات بطريقة تتجنب العقوبات”.
وحذر من أن هذه الخطوة “يمكن أن تزيد من اضطراب أسواق الطاقة العالمية من خلال تفاقم اضطرابات الإمدادات الحالية وزيادة حالة عدم اليقين بشأن الإمدادات المستقبلية، وهو ما يمكن أن يفضي إلى المزيد من الارتفاعات السعرية”.
ومع ذلك، أكد أن روسيا قد تخسر من خلال التخلي عن العملات الصعبة في بيع الغاز، إذ ستجد شركة “غازبروم” الروسية العملاقة صعوبة في تسديد الديون الخارجية أو شراء الإمدادات من الخارج.