سادت أجواء من التفاؤل الحذر بعد انتهاء اليوم الأول من المفاوضات الروسية الأوكرانية في مدينة إسطنبول التركية، لا سيما بعد إحداث اختراق تمثل في تخفيض العمليات العسكرية لموسكو، مقابل تنازلات من جانب كييف.
وتعهد الروس بتقليص النشاط العسكري في كل من محيط العاصمة الأوكرانية كييف، ومدينة تشيرنيهيف، شمالي البلاد.
وعزا نائب وزير الدفاع الروسي، ألسكندر فومين، تقليص النشاط العسكري في بعض المناطق الأوكرانية، إلى انتقال المحادثات “نحو مرحلة عملية”.
ويأتي هذ التطور بعد إعلان الجيش الروسي عن أنه من الآن فصاعدا، سيركز حملته العسكرية في أوكرانيا على ما أسماه “تحرير دونباس”، وهو الإقليم الواقع جنوب شرقي البلاد، ويضم جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك المعلنتين من جانب واحد عام 2014، واعترفت بهما موسكو قبل اندلاع الحرب بأوكرانيا بأيام.
ورقة في المفاوضات
ويقول ماهر الحمداني، الخبير في الشؤون الأوروبية، لموقع “سكاي نيوز عربية: “صحيح أن موضوع دونباس بدأ كعنوان وسبب مباشر للحرب الحالية، لكن الأمر أكبر ولا شك من هذه المنطقة، ومن كونه متعلق بمجرد خلاف قومي بين الروس والأوكرانيين في شرق البلاد”.
ويضيف الحمداني: “بل هو (الصراع) يتصل أساسا بتوجه كييف غربا أم شرقا وتوجهات أوكرانيا المستقبلية، فهل ستنضم إلى الكتلة الغربية أم ستكون محايدة أم تكون موالية لروسيا؟”.
ويوضح: “وبالنسبة لموسكو فالخيار الأول هو خط أحمر ومرفوض تماما، لكنها تقبل بحياد أوكرانيا وضمان عدم انضمامها للناتو، في حال تعذر الخيار الثالث”.
ويرى الخبير في الشؤون الأوروبية أن: “طرح ورقة الاستفتاء في مناطق بشرق أوكرانيا، أتى في سياق الشد والجذب خلال المفاوضات بين البلدين لإيجاد حل ووقف الحرب، وكورقة ضغط على الخصم لانتزاع تنازلات منه، خاصة وهو الأضعف في الصراع كما هي حال كييف في مواجهة موسكو”.
ويشير الحمداني إلى أن هذه الورقة أثمرت عن نتائج بالنسبة إلى روسيا “وفق ما تم الإعلان عنه من استعداد كييف لعدم الانضمام إلى الناتو، وتقديم نفسها دولة محايدة، لا تقيم قواعد عسكرية أجنبية داخل أراضيها”.
تحصيل حاصل
من جانبه، يرى الكاتب والباحث السياسي، طارق سارممي، في لقاء مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “الإعلان الروسي الأخير عن التركيز من الآن فصاعدا على تحرير الشرق الأوكراني، وتحريك موسكو ورقة الاستفتاء في الشرق (…) تحصيل حاصل خاصة أن جمهوريتي دونباس منفصلتان عن سلطات كييف منذ العام 2014، ونالتا اعتراف موسكو رسميا بهما قبيل بدء الحرب بأوكرانيا”.
ويبدو، كما يقول سارممي: “أن الأمر الواقع الروسي أو رفع (ورقة) الظلم بحق الروس في شرق أوكرانيا هو في طريقه للتكرّس على الأرض، بصرف النظر إن نالت جمهوريتا دونباس اعترافا دوليا ولو جزئيا أم لا”.
ولهذا يضيف سارممي: “حسنا فعلت كييف بإبداء المرونة والتعاطي بواقعية مع هذا المنحى الجديد، والذي إن تم في ظل موافقتها وبالاتفاق معها، سيقود لتكريس السلام بين البلدين، بدلا من أن يتم الأمر عن طريق القوة العسكرية والحرب، وهو ما سيكرس لعداوة طويلة بين كييف وموسكو حتى وإن توقفت الحرب”.
وأطلقت روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، في خطوة قالت إنها هدفها الرئيسي الدفاع عن جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك المعلنتين من جانب واحد في إقليم دونباس.
وقبل بدء العملية بأيام، اعترفت روسيا باستقلال الجمهوريتين، وأمرت بما وصفته بعملية لحفظ السلام في المنطقة.