للمرة العاشرة منذ اندلاع الحرب، واصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جهوده لوقف تصاعد العمليات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، في الوقت الذي لم تُسفِر جهوده عن تقدم ملحوظ لإقناع نظيره الروسي فلاديمير بوتن بالتوقف عن تطوير الهجوم.
كان مسؤول في الرئاسة الفرنسية، قد قال في وقت متأخر يوم الأحد: “إن بوتن، لم يُبد رغبة لإنهاء الحرب مع أوكرانيا، أثناء اتصال أُجري مع ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز.”
واستغرق الاتصال قرابة ساعتين، بحسب الرئاسة الفرنسية التي لفتت إلى أن ماكرون تحدث قبل ذلك مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
ومنذ لقاء ماكرون وبوتن في الكرملين في 7 فبراير، أجرى الرئيس الفرنسي 10 اتصالات مع نظيره الروسي، بما فيها اتصال الأحد، في خضم ضغط أوروبي على روسيا لإنهاء هجومها العسكري، من خلال تلويحهم بفرض عقوبات جديدة “واسعة النطاق” على موسكو ومضاعفة تمويل الأسلحة لأوكرانيا.
لكن ذلك لم يمنع القوات الروسية من مواصلة تقدمها البطيء في محيط العاصمة الأوكرانية؛ سعيا لتطويقها وربما اقتحامها، بالتوازي مع تشديد الحصار على مدن أخرى كبرى مثل خاركيف وماريوبول، وسط قصف مستمر بالصواريخ والمدافع أوقع ضحايا مدنيين، وعرقل عمليات الإجلاء في بعض المناطق.
وفي آخر تحديث استخباراتي لها، قالت وزارة الدفاع البريطانية إن “الجزء الأكبر” من القوات الروسية يبعد الآن 25 كيلومترًا عن وسط مدينة كييف.
تحديات على الأرض
ويرى مدير شؤون الاتحاد الأوروبي بمجموعة الأزمات الدولية، جوزيبي فاما، في حديث لـ”سكاي نيوز عربية”، أن ماكرون كان أحد أكثر القادة الغربيين انخراطًا في الحفاظ على مسارات مفتوحة للحوار مع روسيا، وكذلك التعامل بشكل خاص مع الرئيس بوتن، حيث أجرى معه محادثات مباشرة في الفترة التي سبقت العملية العسكرية،. كذلك في نفس يوم تحرك القوات، وصولاً إلى الحديث هاتفياً يوم الأحد.
وأوضح “فاما” أن ماكرون تحدث نيابة عن الرئيس الأوكراني في محاولة للتخفيف من تداعيات الحرب وخاصة لمناقشة مسائل وقف إطلاق النار المحدود والممرات الإنسانية وأيضًا الأمان حول المحطات النووية، الأمر الذي سهّل تناول هذه القضايا في المحادثات الجارية وعلى رأس ذلك في محاثات أنطاليا بين الجانبين.
ومع ذلك، لم تنجح حتى الآن جميع وسائل التواصل التي أجراها الرئيس الفرنسي مع بوتن، خاصة أن روسيا تحقق مكاسب عسكرية على الأرض، وهو ما لا يمنح بوتن أي حوافز للمضي قدما في تلك الوساطة، بحسب مدير شؤون الاتحاد الأوروبي بمجموعة الأزمات الدولية.
لكنه عاد ليشدد على أن إبقاء المسار الدبلوماسي مفتوحًا أمرا ضروريا في الوقت الحالي، كما هو الحال مع استمرار الحرب، حيث سيكون الحوار بين كافة الأطراف ضروريا في المستقبل، وسيكون الحفاظ على المسار الدبلوماسي حيا أمرا في غاية الأهمية.
يرى الخبير المتخصص في العلاقات الدولية أيمن سمير، أن هناك جهدا دبلوماسيا كبيرا تقوم به باريس خلال الأسابيع الماضية لحلحة الأزمة الراهنة، وبدأ هذا النشاط الفرنسي قبل أن تتدهور الأوضاع وصولا للتصعيد العسكري.
وفي تقدير سمير، فإن فرنسا كادت تحدث اختراقا في الأزمة بين موسكو وكييف لولا بعض الموقف الأخري سواءً موقف الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، مما صعد الأمر بهذا الشكل.
وشدد على أن الدور الفرنسي مؤهل للمساعدة في تأسيس حل سياسي بين روسيا وأوكرانيا؛ لأن ماكرون هو أكثر زعيم يستطيع تنفيذ دور الوساطة بنجاح؛ ففي السابق وصف روسيا بأنها “دولة أوروبية بامتياز”، ومن ثم يحفظ له الروس أنه لديه اتجاها إيجابيا تجاه القيادة الروسية مما يعطي لفرنسا ممرا طويلًا لإحداث تطور نوعي.
الأمر الثاني في نظر سمير، فالموقف الفرنسي منفتح على تفهم الضمانات الأمنية لروسيا والتي كانت سبب الأزمة برمتها، فبعد أول لقاء لماكرون مع بوتن أكد ضرورة حفظ الضمانات الأمنية لموسكو، وهو ما يُمكن البناء عليه لحل الأزمة، بخلاف أنه عند إقرار العقوبات الأوروبية على روسيا كانت باريس صوتا معتدلا في ذلك.
ووصف سمير فرنسا وألمانيا بأنها يشكلان “جناح الحمائم” في حلف الناتو غير المُعادي لروسيا على طول الخط، وبالتالي هذا الاتجاه يعطي قوة وزخما للجهود الفرنسية لوضع حلول للأزمة الراهنة، وعدم توسع الحرب خارج حدود أوكرانيا.