أم المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد النبوي فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور صلاح البدير واستهل فضيلته خطبته الأولى عن سماحة الشريعة ورحمة الله فقال: شرع الله لنا برأفته وسعة رحمته شرعا عدلاً سهلاً سمحاً لا حرج فيه ولا إصر ولا عسر ومن يسر الشريعة الحنيفية دفع المشقة ورفع الحرج وإزالة العنت والضيق عن المكلف والترخيص والتوسيع له واستثناؤه من بعض الأحكام الكلية الأصلية لعذر يقتضي التخفيف والتسهيل والتيسير ومن رخص الشريعة وتخفيفها الترخيص لأهل الأعذار بالفطر في رمضان تيسيرا عليهم ورحمة بهم ومن ترخص بالفطر في رمضان، وجب عليه تعلم أحكام صوم القضاء وكيفيته حتى يؤدي ما وجب عليه بعلم وبصيرة ويخرج من عهدة الأمر والتكليف بيقين ويحسن تذكر هذا الموضوع والتذكير به قبل دخول شهر رمضان ليستدرك العبد ما فاته قبل إهلاله بلغنا الله وإياكم شهر رمضان ونحن نرفل في دوحة الأمن والأمان والسلامة والإسلام .
وتحدث فضيلته عن صوم القضاء قبل دخول شهر رمضان فقال: ومن فاته أداء صوم رمضان في وقته وجب عليه قضاؤه لأن القضاء يتبع المقضي عنه فما كان من الصيام واجباً كان قضاؤه واجباً وما كان منه مستحباً كان قضاؤه مستحباً لقوله صلى الله عليه وسلم لأم هاني : “إن كان قضاء من رمضان، فاقضي يوماً مكانه، وإن كان تطوعاً، فإن شئت فاقضي، وإن شئت فلا تقضي ” أخرجه أحمد والنسائي .
وقال عز وجل : ” فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ” أي عدة ما أفطرتم وترخصتم وتكملوا أيام الشهر بالأداء القضاء .
وذكر فضيلته رحمة الشريعة في الكافر الذي أسلم فقال: ولا يلزم الكافر الأصلي إذا أسلم قضاء الصوم الواجب الذي لم يصمه في زمن كفره لأن الإسلام يجب ما قبله من حقوق الله تعالى ولما في إيجابه من التنفير عن الإسلام وإن أسلم الكافر في شهر رمضان أو في آخر يوم من رمضان صام ما يستقبل من بقية شهره وأما قضاء ما مضى من الشهر قبل إسلامه فلا يجب وأما اليوم الذي أسلم فيه فيلزمه إمساك بقية النهار تشبها بالصائمين و قضاء ذلك اليوم قال ابن وهب عن مالك: أحب إليّ أن يقضيه وقيل : لا يلزمه القضاء لأن أهلية الوجوب منعدمة في أوله والصوم الواجب لا يتجزأ فلا يجب القضاء .
ومن ترك صوم رمضان جحوداً واستحلالاً فهو كافر مرتد لأنه أنكر ركنا من أركان الإسلام وفرضاً ثابتاً، بالكتاب والسنة والإجماع وإذا أسلم المرتد لم يلزمه قضاء ما تركه من الصيام زمن ردته في أصح قولي العلماء .
ومن ترك صوم رمضان كسلاً وتهاوناً وتساهلاً بلا مرض ولا غرض وهو مقر بوجوبه فلا يكفر ولكنه عصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأتى كبيرة من كبائر الذنوب ووجب عليه التوبة من تفريطه وقضاء الأيام التي أفطرها في أصح قولي العلماء قال ابن عبدالبر : ” وأجمعت الأمة ونقلت الكافة في من لم يصم رمضان عامداً وهو مؤمن بفرضه وإما تركه أشراً وبطراً تعمد ذلك ثم تاب عنه أن عليه قضاءه ” وقال ابن قدامة : لا نعلم في ذلك خلافاً لأن الصوم كان ثابتاً في الذمة فلا تبرأ منه إلا بأدائه ولم يؤده فبقى على ما كان عليه ” .
ولا يجوز صوم يومي العيدين أو أيام التشريق الثلاثة عن قضاء رمضان فمن فعل لم يجزئه وصومه باطل ووجب عليه قضاء آخر على الصحيح من قولي العلماء وينبغي لمن عليه صوم واجب أو قضاء من رمضان تقديمه على التطوع بالصوم لأن الذمة مرتهنة بالقضاء الواجب فيسعى في إبرائها ثم يتطوع بما أحب فإن صام تطوعاً قبل القضاء صح صومه على الصحيح من أقوال العلماء لاتساع الوقت للأمرين التطوع والقضاء ومن أفطر رمضان أو بعضه بعذر شرعي فعليه القضاء بعدد الأيام التي أفطر ولا كفارة عليه لقوله جل وعز :{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
ولحديث معاذ في شأن الحائض قالت : سألت عائشة فقلت : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت ؛ كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ” .
والقضاء على التراخي لا على الفور بشرط أن يقع قبل إهلال رمضان التالي في أصح قولي العلماء لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان» متفق عليه واللفظ لمسلم .
وتستحب المبادرة إلى القضاء لأن المبادرة إلى امتثال الطاعات أولى من التراخي عنها ولأن العبد لا يدري ما يعرض له من الشواغل والصوارف ، ولا يجب التتابع في قضاء رمضان على الصحيح من قولي العلماء وهو قول جمهور السلف والخلف ويصوم القضاء حسب ما يتيسر له إن شاء وصل وإن شاء فرق قال ابن عباس رضي الله عنهما : ” لا بأس أن يفرق ”
واختتم فضيلته خطبته الأولى بنصح المسلمين بعدم تأخير قضاء الصوم فقال: ولا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر بلا عذر في أصح قولي العلماء ومن أخر قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر فله حالتان :
الحالة الأولى : أن يفطر في رمضان لمرض أو سفر، ثم يتمادى به المرض أو السفر إلى رمضان آخر فيجب عليه أن يصوم شهر رمضان الداخل عليه ، ثم يقضي بعد ذلك ما فاته من رمضان السابق ولا إطعام عليه لأنه لم يفرط .
الحالة الثانية : أن يزول عذره ويتمكن من القضاء ويفرط أو يؤخر القضاء بلا عذر شرعي فعليه القضاء إجماعاً وعليه مع القضاء كفارة وهي إطعام مسكين عن كل يوم فرط فيه و أخر قضاءه إلى رمضان آخر في أصح قولي العلماء وبه أفتى جمع من الصحابة فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من فرط في صيام شهر رمضان حتى يدركه رمضان آخر فليصم هذا الذي أدركه، ثم ليصم ما فاته، ويطعم مع كل يوم مسكيناً أخرجه الدارقطني، ومقداره نصف صاع كيلو ونصف من البر أو الأرز أو التمر أو غير ذلك مما يقتاته أهل البلد .
ويجوز الإطعام قبل القضاء ومعه وبعده والأفضل تقديمه مسارعة إلى الخير وتخلصاً من آفات التأخير والنسيان .
ومن كان عاجزاً عن إخراج الإطعام بقي دينا في ذمته يخرجه متى تيسر له إخراجه ولا يسقط إطعام من أخر قضاء رمضان عنه بحال ومن وجب عليه قضاء يوم فأخره رمضانان فصاعداً أو أخره سنين فيكفيه كفارة واحدة عن اليوم الفائت الواحد ولا تتكرر كفارة تأخير صوم القضاء بتكرر السنين في أصح قولي العلماء .
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن قضاء الصوم عن الميت فقال: ومن مات وعليه قضاء رمضان أو بعضه فله حالتان :
الحالة الأولى : أن يكون الشخص المتوفى معذوراً في تفويت الأداء ولم يتمكن من القضاء ودام عذره إلى الموت كمن اتصل مرضه أو سفره أو إغماؤه أو حيضها أو نفاسها أو حملها أو إرضاعها ونحو ذلك بالموت فلا يجب شيء على ورثته ولا في تركته، لا صيام ولا إطعام.
الحالة الثانية :أن يفوت الشخص المتوفى الصيام بعذر أو بغيره ويتمكن من قضاء الصوم ولكنه فرط ولم يصم حتى نزل به الموت فيجب في تركته لكل يوم نصف صاع من طعام فإن لم تكن له تركة فلا شيء عليه ويشرع لوليه أن يصوم عنه، ويصح ذلك ويجزئه عن الإطعام وتبرأ به ذمة الميت لحديث عائشة – رضى الله عنها – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» قال النووي: ” المراد بالولي القريب منه سواء كان عصبة أو لا وارثاً أو غير وارث ” و عن ابن عباس – رضى الله عنهما – قال جاء رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم – فقال يارسول الله إن أمي ماتت، وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها قال «نعم فدين الله أحق أن يقضى» .
فدل الحديثان أنه يشرع لقريبه قضاء صوم رمضان عنه وإن صام عنه من ليس بقريب له بإذن ولي الميت جاز واجزأ لأن الشارع شبهه بالدين يكون على الميت والدين يصح قضاؤه من القريب والبعيد وإن صام عن الميت رجل واحد قضاء رمضان كله أجزأ وإن اقتسمه اثنان أجزأ وإن اشترك فيه جماعة أجزا قال الحسن : ” إن صام عنه ثلاثون رجلاً يوماً واحداً جاز ” .
واختتم فضيلته خطبته الثانية بحكم من مات وعليه قضاء الجماع فقال: ومن مات وعليه كفارة عن الجماع في نهار رمضان وقد خلف تركة فيجب العتق عنه من رأس ماله وأصل تركته قبل قسمتها سواء كان بوصية منه أو بغير وصية ويجوز أن يتطوع بالعتق عنه وارث أو غير وارث لأنه في حكم الدين فإن لم يترك المتوفي مالاً أو عجز عن عتق الرقبة أو تعثر عليه وجودها وتمكن من الصيام في حياته ولكنه فرط مع قدرته عليه فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يجزئ صوم كفارة عن ميت وإن أوصى به لأنها وجبت على طريق العقوبة والأصح دليلاً ونظراً أنه يشرع لوارثه أو قريبه أن يصوم عنه شهرين متتابعين لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ” من مات وعليه صوم صام عنه وليه ” ولا يجوز أن يشترك في صيام الكفارة اثنان أو جماعة بل يتولى صيامها شخص واحد وكفارة الجماع إنما تجب على من جامع في نهار شهر رمضان لحرمة الزمان ولا تجب كفارة الجماع على من جامع في صوم القضاء في أصح قولي العلماء ولا يحل لزوج المرأة إذا كانت متلبسة بصوم القضاء أن يأمرها بالإفطار أو أن يفسد صيامها بالجماع .