قدّم أعضاء ديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأميركي، اقتراحا لقانون ينصّ على فرض عقوبات على الرئيس الروسي فلاديمير بوتن وتقديم مساعدات مالية لكييف، في حال أقدمت موسكو على غزو أوكرانيا.
وينصّ اقتراح القانون “الدفاع عن سيادة أوكرانيا”، فرض عقوبات على بوتن ورئيس وزرائه ميخائيل ميشوستين ومسؤولين عسكريين بارزين والعديد من كيانات القطاع المصرفي الروسي، في حال “غزو” أو “تصاعد الأعمال العدائية الروسية” ضد أوكرانيا.
وردّ الكرملين الروسي، الخميس، بأنه “لا يمكن لحلف الناتو أن يحدد لنا مكان نشر قواتنا داخل أراضينا”، وبأن” العقوبات التي يهدد بها مشرعون أميركيون ضد بوتن ستشكل تجاوزا للحدود”.
كما وصف الكرملين المحادثات الأمنية مع واشنطن والناتو بشأن أوكرانيا بـ”الفاشلة”، مشددا على أنه “هناك خلافات حول قضايا جوهرية”.
ومثلّت أزمات أوكرانيا وكازاخستان بين موسكو والغرب وقبلهما بيلاورسيا، نقطة خلاف وتوتر بين القوى الدولية.
ورغم أن قوات “حفظ السلام” التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا، بدأت الانسحاب من كازاخستان، يوم الخميس، لكنها تركت تساؤلات خبراء ومختصين حول مشروعية هذا التدخل وتداعياته المستقبلية على العلاقة بين موسكو والغرب.
ويرى محللون أن التهديد الأميركي بفرض عقوبات على بوتن، يأتي ضد ما وصفوه بـ”عقيدة بوتن”، التي تسعى لتوحيد محور الدول السلافية الثلاث وبينها أوكرانيا وبيلاورسيا، وإعادة حلم الاتحاد السوفياتي.
كما تظهر تلك الرؤية بحسب مراقبين، بمسودات المعاهدات التي اقترحتها حكومة بوتن كثمن لعدم غزو أوكرانيا، حيث يطالب مضمونها بمنطقة نفوذ روسية معترف بها دوليا تشمل الاتحاد السوفياتي السابق وجزء كبيرا من أوروبا الشرقية.
وتعليقا على هذه النقطة، قال الإعلامي والباحث الروسي، أرتيوم كابشوك، في تصريحات لموقع ” سكاي نيوز عربية”، إن “مسألة عقيدة بوتن مستوحاة من الغرب، وحلم روسيا الموحدة غير واقعي ولا أساس له”.
وأضاف كابشوك: حلم بوتن وإعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي، مجرد قضايا يثيرها الغرب”.
وعن بوتن قال كابشوك، إنه: “لا يوجد بوتن الذي يقرر كل شيء، ولا توجد سياسة توسعية لروسيا في الإقليم”.
ومن جانبه أوضح المختص في الشأن الروسي أشرف الصباغ: “تثير خطط وسياسات وطموحات الكرملين مخاوف الغرب الأميركي الأورو أطلسي، وأعتقد أن واشنطن التي تقود حلف الناتو تعمل فعليا على وضع روسيا تحت أكبر وأشد حصار لأن سياسات موسكو لا يمكن التنبؤ بها”.
أزمة أوكرانيا
وانطلقت محادثات بين الولايات المتحدة وروسيا، الاثنين، بشأن أوكرانيا، وجاءت وسط مخاوف من غزو روسي لكييف الموالية للغرب، لكنها بحسب الكرملين باءت بالفشل.
ورغم نفي موسكو التخطيط لهجوم رغم حشدها آلاف القوات على حدود أوكرانيا، أجرى الجيش الروسي، يوم الأربعاء، مناورات عسكرية بالذخيرة الحية بمناطق بعضها قريب من أوكرانيا، قد تفجّر الأوضاع.
تلك التحركات المتصاعدة بين واشنطن، دفعت مراقبين للتعبير عن مخاوفهم مما وصفوه بـ”عسكرة الأزمة وانسداد أفق الحل السياسي”.
وهنا يعود الصباغ ليؤكد أن الرئيس الأميركي جو بايدن يريد أن تتدخل روسيا عسكريا بأوكرانيا لتكتمل الحلقة وتبدأ مرحلة جديدة كالاتحاد السوفياتي، مشيرا إلى أن “الأمر لا يحتمل أي مواجهات عسكرية مباشرة في ظل امتلاك الجميع أسلحة نووية”.
أما كابشوك فأوضح قائلا: “لا حلم لروسيا بدولة واحدة مع أوكرانيا وخاصة بعد أحداث 2014، والوضع حاليا أن الكل بمأزق عميق سواء الناتو أو روسيا”.
وتابع: “العقوبات الغربية بحق موسكو مفيدة داخليا فقد تدفع النخب المحافظة بالداخل الروسي إلى تطهير هيكلية الحكم من تأثير النخب الليبرالية الموروثة عن التسعينيات، وهذا أمر ينشده غالبية الروس”.
التدخل في كازاخستان
وخلال الأيام الماضية، أرسلت موسكو قواتا عسكرية إلى كازاخستان ضمن قوات منظمة العمل الجماعي بقيادتها، ما فّجر موجة غضب وتنديدا دوليا.
كما دعمت موسكو بيلاروسيا خلال التوترات الحدودية الأخيرة مع بولندا، ما دفع الغرب بالتنديد بذلك معتبرين أنه يمثل “هجوما مختلطا”.
وفي هذا الإطار بيّن الصباغ أن “إدخال قوات روسية إلى كازاخستان يذكرنا بغزو تشيكوسلوفاكيا عام 1968 بطلب الحزب الشيوعي لمواجهة الاحتجاجات الشهيرة آنذاك، واليوم يتكرر الأمر في كازاخستان حيث استنجد رئيسها بروسيا”.
وبخلاف القضية الأوكرانية والكازاخية، تمثلت “عقيدة بوتن” في إعلانه ونظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في نوفمبر 2021 تحديث ما سُمي بـ” العقيدة العسكرية لدولة الاتحاد الروسي” حيث وقعا عدة اتفاقيات عسكرية ووثيقة تكامل و28 برنامجا تحالفيا بين البلدين.
وعن تطويع بيلاروسيا يوضح الصباغ: “حلم روسيا بدولة واحدة تضمها مع أوكرانيا وبيلاروسيا، وهي الدول السلافية الثلاث، مستحيل التحقيق، لأن طبيعة علاقات روسيا العنيفة مع الدولتين واستخدامهما كأوراق مقايضة وضغط مع الغرب، يثير مخاوفها”.
لكنه استدرك قائلا:” ربما هناك وحدة شكلية للغاية بين روسيا وبيلاروسيا، لكن بينهما خلافات جذرية بعدة ملفات، وبالتالي، فعقيدة بوتن والكرملين تواجه فشلا كبيرا بل زادت من إحكام الحصار حول روسيا، ودفعتها إلى أخطاء على غرار الاتحاد السوفيتي الذي انهار بدون حرب”.
وفسّر ذلك بالقول إن حصار روسيا بتلك الأزمات “تجلى خلال العقوبات وتقييد تصدير التقنيات المتطورة، ونشر الأسلحة الغربية بدول حلف الناتو، وزيادة وتيرة المناورات مع دول البحر الأسود والبلطيق”.
ويخالف كابشوك الصباغ معبرا عن رأيه بشأن هذه المسألة قائلا: “مسألة حصار روسيا بسبب دعمها لكازاخستان وبيلاروسيا والتوتر الحالي مع أوكرانيا، هي ظاهرة دفاعية ومسألة هجوم”، مشيرا إلى أنه ” ربما الهجوم من الطرف الروسي والغرب بموقع الدفاع”.
وبالنسبة للمشهد بكازاخستان، فيؤكد “معقد للغاية، وروسيا تدافع عن نفسها وأمنها تحت ضربات الغرب الذي جنّ جنونه على نهضة روسيا، وأسقط كل الأقنعة فبدأ يثير ثورات وقلاقل داخلية خاصة بعد فضح شبكاته داخل موسكو”.