أم المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بليلة، فتحدث في خطبته الأولى عن الإيمان باليوم الأخر فقال : حقيقةٌ مُسَلَّمة، واعتقادٌ جازم، وركيزةٌ من ركائز الإيمان، تلكُم هي الإيمانُ باليوم الآخِر.
إنه الإيمان بكل ما أخبر اللهُ به ورسوله ﷺ مما يكونُ بعد الموت، وما أعدَّ اللهُ للطائعين من ثواب، وللعاصين من عقاب.
قال تعالى:{لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} وقال تعالى : {وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}.
وسألَ جبريلُ -عليه السلامُ- النبيَّ ﷺ عن الإيمان فقال: (أن تؤمنَ بالله وملائكتهِ وكُتبهِ ورُسُلهِ واليوم الآخِر، وبالقدر خيرِه وشرِّه) أخرجه مسلم.
بالإيمان به يتبيَّن المؤمنُ المصدِّق، من الكافرِ المكذِّب؛ إذْ هو إيمانٌ بالغيب، واطِّراحٌ للشَكِّ والريْب، بسم الله الرحمن الرحيم:{الم* ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } .
وذكر فضيلته من مهام الرسل دعوة الناس إلى الإيمان باليوم الآخر وذكر أحوال الكافرين فقال : لقد كان من مَهامِّ الرُّسُلِ عليهم السلامُ مع أقوامهم دعوتُهم إلى الإيمان باليوم الآخِرِ، وبيان ُأحوالِه وأهوالِه؛ ذلك أنَّ تذكُّرَه أمارةُ خير وهُدى، والغفلةَ عنه نذيرُ سوء ورَدى.
إنَّ أول قَدَم يضعها العبدُ في ميدانِ اليومِ الآخِرِ هي بموته ثم قَبْرِه، وفي القبر الافتتانُ والامتحان، فيُكْرَمُ فيه أو يُهان! يُوفَّقُ المؤمنُ ويُكرَّمْ، ويُخذَلُ الكافرُ ويُجَرَّمْ! قال النبيُّ ﷺ: (إنه قد أُوحي إليَّ أنكم تُفتنون في القبور قريبًا أو مثلَ فتنةِ المسيحِ الدجال، فيُؤتى أحدُكُم فيُقال: ما عِلمُك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: هو محمد، هو رسولُ الله، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وأطعنا -ثلاثَ مِرار- فيُقال له: نَمْ، قد كنا نعلمُ إنك لتؤمنُ به، فَنَمْ صالحا، وأما المنافق فيقول: لا أدري! سمعتُ الناسَ يقولون شيئًا فقلت) أخرجه البخاري ومسلم، ثم أخبر صلواتُ الله وسلامُه عليه أنه يُفتَحُ له بابٌ إلى الجنة فيُقال له: هذا منزلُك لو آمنتَ بربك، فأمَّا إذْ كفرتَ به فإن الله عز وجل أبدلك به هذا، ويُفتح له بابٌ إلى النار، ثم يَقمَعُه قَمعةً بالمطراق يسمعُها خَلْقُ اللهِ كلُّهُم غيرَ الثقلين) أخرجه الإمامُ أحمد.
في القبر النعيمُ أو العذاب، وبعده البعثُ وقيامُ الساعة ثم تُعادُ الأرواحُ إلى الأجساد، وتتشققُ الأرضُ عنهم كما تتشققُ عن النبات فإذا كان ذلك قامت القيامةُ الكبرى، وخرج الناسُ من قبورهم لرب العالمين حُفاةً عُراةً غُرْلا، فتدنو منهم الشمس، ويغشاهم العَرَق، وتُنصَبُ الموازينُ لوزنِ الأعمال وتُنشَرُ صحائفُ الأعمال، فآخِذٌ كتابَه بيمينه، وآخِذٌ كتابَه بشماله أو مِن وراء ظَهره، ثم يُحاسِب اللهُ الخلق، ويخلُو بعبده المؤمنِ فيُقرِّرُه بذنوبه، ويُقِرُّ بها وهو يرجو رحمةَ الله، وأما الكافرُ أو المنافقُ فربما أقَرَّ بها، وربما جادل عنها، إلا أنَّ اللهَ سبحانه يُنطِقُ منه السمعَ والبَصَرَ والجوارحَ بما اقترفَ واجترح ثم تُرفَعُ لهم النارُ فيُحشَرون إليها، ويتساقطون فيها.
واختتم فضيلته خطبته الأولى بالحديث عن حال المؤمنين يوم القيامة فقال : وأما المؤمنون فيتأخرون لِيَرِدُوا الحوضَ الكريم: حوضَ نبيِّنا محمدٍ ﷺ، ماؤُهُ أشدُّ بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيتُه عددُ نجومِ السماء، طُولُه شهر، وعَرضُه شهر، من يَشرَبُ منه شَرْبَةً لا يظمأُ بعدها أبدًا.
ثم يوافيهُمُ الصراطُ المنصوبُ بين الجنة والنار، يعبُرونه على قَدْر أعمالهم، يتقدمُهُم الأنبياءُ والمرسلون وهم يقولون لِهولِهِ وشِدَّتِه: (اللهم سَلِّمْ سَلِّمْ، اللهم سَلِّمْ سَلِّمْ) ثم يُوقَفون على قَنطرة بين الجنة والنار، فيُقتصُّ لبعضهم من بعض، فإذا هُذِّبوا ونُقُّوا دخلوا الجنة.
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن الإيمان باليوم الآخر وأهوالها وأحوالها فقال : إنَّ الإيمانَ باليوم الآخِرِ وأهوالِه وأحوالِه يُورِثُ العبدَ صلاحًا في عملِه، وزَكاءً في نفْسِه، واستقامةً في سيرته، فلا يَرتكِبُ المحرمات، ولا يُقارِفُ الموبقات، ولا يُفرِّطُ في سعادته الأبدية الأُخروية، ويستبدلُ بها أدنى ما يكون من لَذَّة، مما هي سَحابةُ صَيفْ، أو خَيالُ طَيفْ.
إنَّ الدنيا في إدبار، والآخرةَ في إقبال، وإنَّ أسْمى غايةٍ يَطمَحُ إليها المؤمن أن يَثقُلَ في اليومِ الآخِرِ ميزانُه، وحينها تُزَفُّ له البُشرى، ويَحْمَدُ السُّرى، ثم المصيرُ إلى دار الخُلْدِ والنعيم، بِمِنَّةِ الجوادِ البرِّ الكريم.