أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد النبوي فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالمحسن القاسم واستهل فضيلته خطبته الأولى عن أسماء الله وصفاته فقال : معرفة الله أصل الدين، وقد تعرف سبحانه إلى عباده بأسمائه وصفاته، وذكر أسماء الله وصفاته
وأعماله في القرآن أكثر من آيات الحلال والحرام، ومن أسمائه سبحانه “الحميد” الذي له من الصفات وأسباب الحمد ما يقتضي أن يكون محموداً وإن لم يحمده غيره، وقرنه تعالى في كتابه بالعزه والولاية والمجد والغنى والحكمة.
وحمده سبحانه هو مدحه والثناء عليه بصفات كماله ونعوت جلاله والإخبار بمحاسنه مع
حبه وتعظيمه ، فيحمد سبحانه على كماله وجماله في نفسه، وعلى أفعاله وإكرامه وإحسانه إلى خلقه.
والله تعالى حمد نفسه وأثنى عليها، وهو يحب المدح والحمد، ومدحه سبحانه لنفسه أعظم المدح
وأعلاه، ولا أحد أعلم منه بما يستحقه من الحمد، فلا يحصي أحد من خلقه ثناءً عليه، قال الرسول
صلى الله عليه وسلم: «ليس أحد أحب إليه المدح من الله، من أجل ذلك مدح نفسه » متفق عليه.
فال النووي رحمه الله: «حقيقة هذا مصلحة للعباد، لأنهم يثنون عليه فيثيبهم فينتفعون به، وهو سبحانه غني عن العالمين، لا ينفعه مدحهم ولا يضره تركهم ذلك».
وتحدث فضيلته عن فضل حمدالله فقال: والحمد لله ذكر عظيم يحبه الله وهو أحق ما قاله العبد من الكلام وملازم له في يومه وليلته، ولا يخلو موطن منه في يومه وليليه، فعلى التوحيد والحمد يدور الدين كله، قال سبحانه: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۗ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } قال شيخ الإسلام رحمه الله: «والحمد إنما يتم بالتوحيد، وهو مناط للتوحيد ومقدمة له، ولهذا يفتتح به الكلام، ويثني بالتشهد».
ففي العبادات شرع الله لعباده افتتاح الصلاة بالحمد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينوع صيغ
الحمد في أول صلاة الليل والنهار، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً في الصلاة يقول: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، فقال: « عجبت لها، فتحت لها أبواب السماء » رواه مسلم.
وتحدث فضيلته عن كثرت حمد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر الخلق حمدا لله؛ ويوم القيامة يبعثه الله مقاما محمودا يحمده عليه الخلائق كلهم، ويأتي وبيده لواء الحمد صورة ومعى يقف تحته الخلق كلهم، قال عليه الصلاة والسلام: « أنا سيد ولد أدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، أدم فمن دونة تحت لوائي» رواه أحمد.
وكما افتتح الله الخلق بالحمد وختم هذا العالم بالحمد كما افتتحه به فقال: {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } قال ابن كثير رحمه الله: « أي: ونطق الكون أجمعه- ناطقه وبهيمة
– لله رب العالمين، بالحمد في حكمه وعدله؛ ولهذا لم يسند القول إلى قائل بل أطلقه، فدل عل أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد».
وحمده سبحانه ثابت له في الدنيا، ودائم في الآخرة ، فإذا دخل أهل جنة الجنة أول كلمة يقولونها: الحمد لله قال سبحانه: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه} .
وهم فيها يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، قال البغوي رحمه الله: «يريد يفتتحون كلامهم بالتسبيح ويختمونه بالتحميد».
واختتم فضيلته خطبته الأولى عن ابتداء النعم بحمد الله واختتامه بحمد الله فقال : فحمد الله ملأ الدنيا والآخرة والسموات والأرض وما بينهما وما فيهما، ومن كفر من العباد به أو بنعمه فالله غني عنهم، قال سبحانه: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ} والنعم ابتدأت بحمده وانتهت إلى حمده، وبالحمد والشكر تدوم النعم وتزيد وهو سبحانه المعبود المحمود، فأكثروا من حمد الله وطاعته والثناء عليه، ومدح دينه وشرعه، فمدح مايحبه الله مدح وحمد له.
وقال فضيلته في خطبته الثانية إن الحمد قرين التسبيح فقال : الحمد قرين التسبيح وتابع له، فالتسبيح تنزيه الله عن النقائص، والحمد إثبات الكمال والجمال له على الإجمال والتفصيل ، وكلٌ منهما مستلزم للأخر ، وإذا ذكر أحدهما مفرداً شمل معنى الآخر وتضمنه، وذكر العبد ربه أمارة صدق محبته لمولاه، ومن عرف به بحمده وذكره في الرخاء عرفه في الشدة، ومن ذكره كثيراً كان من المفلحين.